لا آبَ يقلقني، ولا كانونهُ
أيلولُ ميقاتُ الدموعِ وعَونُها
حمَلَتْ إليهِ كلَّ أغلالِ الهوى
وزمّلتْني في ربيع سجونها

أمّا أنا، فالعشقُ أولُ شهقةٍ
 من ياسمينِ الشامِ وقتَ سكونها
جاروا عليها، معتدينَ على السما
فتضمّختْ بالدمع كلٌّ شؤونها
ماعاد يعنيني بيانٌ بعدها
غار ابتسام العين في مسجونها

وحبيبتي ماتت وأجنحتي ذوت
حتى رجوت الحرف لو يبكونها!
حقًا هجرت الشعر بعد غيابها
وخيانةٌ هذا البيان ببَوْنِها!


لا آب يقلقني

ألا يا بائع الزهر، أعندك زهرة حية؟
قالها السياب والمرض الرجيم يفترسه إلى مثواه المحتوم، وقد طوّقته في مشفاه باقات الورد الصنعية...
وردة صنعية بلا لون صادق أو رائحة زكية، كأنها جثة هامدة، أو غصن يابس جف فيه رواء الحياة ولونها الأخضر فهي كامدة، أو كأنها وجه جميلةٍ حالت بينه وبين ناظريها طبقات راسخة من الأصباغ فلا ترى له بريقا أو طريقا، أو كأنه عيناها يوم تتقنّع بعدسة ملونة صاخبة تراود الضوء عن نفسه فيكذبها ويعيدها للناظرين بغير لونها ووهجها الصادق...
وردة السياب هي حياتنا التي استدارت بها الآلات والشاشات، نعصر القلب فلا يقطر دما، نقبض الأصابع فتتكسر كالعيدان الجافة من شخوصها ساعات على الأزرار العيية...
وردة السياب هي غريب محزون، مغرورق العيون، محدودب الروح والهموم، مترهل الجفون، خليجه فضاء شاسع ساطع من الشاسات الكبيرة والصغيرة، يرقبها على قلق، على ألم، على شوق، على آهٍ، على شفا دمعة، لعلها تسعفه بخبر أمين عن صدر أمه المطعون، الغارق بالدماء والدموع والأشلاء والأحجار..
وردة السياب هي هذا السجن الكبير بصحرائه القاهرة المتطاولة كهمَّ سوري يمضغه موج المتوسط، يداه -كقلبه-مثقلتان بطفله، وعيناه مثل شفق الغروب محمرتان من الدمع والسهر والأمل، وقصر الأجل، في صدره طفل، وعلى ظهره وطن..
صحراء كقلب اللئيم لا ترى فيها وجها تتقاسمه ابتسامة أو ضحكة كالضحى، أو نظرة كالليل إذا سجى، تحيط بك سرادقها الباردة، وكل كنزك أمل يتيم تمد به قلبك لعل حضنا ذا روح يمرّ من هنا فيتعثر بعطشك إلى الحنان والآمان..والضياء.
وردة السياب هي أنت، لا أحد سواك، هي أنت..بدمائك ودموعك وأشلائك وبهائك، يا كل دمع العالمين مذ خرج من جنته إلى أن تصعقه نفخة صور، ياأم قلقي من أتفه شيءٍ في هذا الظلام العقيم، المتكوّر على قلبي كرحمِ أمًّ لفظت أنفاسها..
هي أنت أنتِ، يا كل طعنات القهر والاحتياج والخوف والجوع والضياع، مذ تكسر جسدك الرحيم، لم نعد نقلق فنحن القلق، لم نعد نخاف فنحن الخوف، لم نعد نبكي فنحن الدموع، وإننا ننزف بلا انتهاء فنحن الجروح...
يساءلونني عن حزني، ومتى كان الحزن طارئا بعد أن ترجّل قلبك عن عرش الفرح، وتشظّى ظهرك بكل حقد العالمين وخذلانهم؟!
[ألا يابع الزهر أعندك زهرة حية!]، في ريحها [موت يجيء كأنهُ سِنَةٌ فيمسُّ الآمي فينهيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــا....]
.................. أيتها الشهيدة....
10-10-2016

Faisal Alali