أول الجسد آخر البحر - أدونيس

حيرة الذاهب - وديع سعادة

أكاذيب النافذة - بسام حجّار

لستَ الآن لستَ هنا - بسام حجّار

النص الأدبي المعاصر، وخصوصًا الشعريّ منه، نصّ مفتوح؛ تتعدد معانيه وتأويلاته بتعدّد متلقّيه. فعملية إنتاج المعنى فيه ليست أحادية الجانب؛ نصوص معلّبة تحوز كل ما بداخلها بمجرد فتحها/قراءتها، للكل وعلى حد سواء. بل هي عملية تفاعلية، ذات طرفين متقابلينِ، لا تقلّ فيها ضرورة إبداعية المتلقّي في خلق المعنى، عن إبداعية النص وقابليّته لتوليد تلك المعاني المتعددة.


إذن، فالنص هنا يُمثّل شبكةً من الرموز والدلالات المتداخلة، والمشحونة عاطفيًّا. يتعرّض إليها المتلقّي، فتتفاعل مع خبراته ومعارفه وأدواته، ويَنتج المعنى عن ذلك. ومن ثَمّ، فإن دخول طرف ثالث، بين طرفَي عملية توليد المعنى، وأخُصّ هنا الإلقاء الصوتي، يُحتّم، بالضرورة، توجيهَ ذهنِ المتلقي ناحيةَ معانٍ معينة، على حساب أخرى، مما يحدّ من تعددية القراءة. وذلك لاشتماله على جانبٍ تفسيريّ في صلب ماهيّته، يتجلّى في تقنياته؛ كالتلوين الصوتي، واختيار الأسلوب والنبرة المناسبين. إلى جانب أنّه فنٌّ، له جماليّاته الخاصة به، المنفصلة عن النص، الهادفة إلى جذب أذن المتلقي، مما يضع حائلًا إضافيًّا، وإن كان جميلًا، بين طرفَي عملية توليد المعنى.


ومن هنا تأتي أهميةُ هذه التجربة الصوتية، والتي تحاول، قَدرَ الإمكان، الوقوفَ عند الدرجةِ "صِفر" بين النص ومتلقّيه، وبأقل تدخّل ممكنٍ في عملية توليد المعنى. فهي، إذن، ليست إلقاءً صوتيًّا للنص، بمعناه الاصطلاحي، بل هي النصُّ ذاتُه، مسموعًا. محاكاةٌ صوتيّةٌ لفعلِ قراءة العين، أو لنَقُلْ، قراءةٌ بالأذن. 


وانطلاقًا من هذه الرؤية، كان لِزامًا غيابُ المؤثرات الصوتية، وموسيقا الخلفية، والخامةُ الصوتية الجاذبةُ. وتعدّى ذلك إلى الحَدّ من التلوين الصوتي، لأن غرضَ الأداء هنا، ليس إضفاءَ شيء على النص، أو إظهار جانب منه، بل الانسحابُ منه، حتى يتسنّى له أن يصير النصَّ ذاتَه. إذن، استخدامٌ للأذن بدون محاولة إثارة مراكز إحساسها بالجماليّة. فالجزءُ المستهدَفُ في إدراك المتلقي، خلال هذه العملية، هو ذاته المستهدفُ في فعل القراءة الصامتة. والتي تستخدم مادّتُها العينَ وسيلةً، ولكنّها لا تلتفتُ إلى مراكز إحساسها بالجمالية، فتأتي الورقةُ بيضاءَ بحبرٍ أسود، كأعمق ما قد ينالُه التجريدُ.

حجَرٌ

Popular tracks