رحلتي مروراً بالمسجد عدة مواقف عبر سنوات
أنا و المسجد 
في الكتّاب كان يحفظنا الشيخ الشاب القرآن ، وكان معنا صديق لنا وسيم وذو خلق طيب وخفيف الظل وبه طرواة  وكان ذا خدود متوردة وجلد أبيض جميل الخلقة ويحفظ القران وذو صوت شجي . 
كنا نلتفت للحائط ونرتل القرآن تكرارا للحفظ ، كنت من أسرع الحفاظ غير أني لا أثبّت نا أحفظه الا بعد فترة من الوقت ، أتذكر أني حفظت سورة القمر في يوم ونصف وأوقفني الشيخ لأني أنسى الأثمان غيرها وكان يوبخنا . وغيري من فتيان المسجد كثر ، وكان الشيخ حسن الخلق قليل الكلام هادئ الصوت ، وحقاً حببنا في المسجد وحفظ القرآن . 
لكنه كان يخص صديقنا وزميلنا ذاك ، فكأن يعطيه الهدايا ويشتري له الحلوى ، ويجلسه جنبه ، حتى كثر الحديث في الكتاتيب عن القصة وتدليل الشيخ للفتى ، بعد فترة عرفنا أن الشيخ يحب أخت الفتى ودلاله من أجل عينيها . 
بعد عدة أشهر اختلف الشيخ و الفتى وظهر هذا واضحاً ، فاتضح أن الشيخ يحب الفتى نفسه وكانت أخته حجة فقط لا غير .  
هنا فهمنا أول معاني الواسطة بغض النظر عن أسبابها . ومعها أشياء أخرى . 
بعد أن ترك صديقنا المسجد ، كنا في حلقة جمعتنا جميعاً فأطرى الشيخ عن حفظي ونباهتي وقيافتي واهتمامي وأشاد بي وقال غداً سيملي عليكم "أبوعامر " يقصدني .. 
من تلك الساعة لم أدرس القرآن في حلقة تحفيظ قط ، حفظا لسمعتي ودرأ للأقاويل وهرباً من التهمة . 
وتعلمت أن الإطراء قد يكون مسبة والإشادة تشويهاً 
..................................................
المؤذن والمسبحين
وأحافظ على الصلوات الخمس فيه قبل الآذان لسنوات طفولتي صيفا وشتاءً ، حتى عرفني أغلب رواد المسجد الدائمين ، أقرأ القرأن وموطأ الإمام مالك و التفسير إن أرهقني القرآن ، وكان مؤذن المسجد بصيصا يكاد أن يكون أعمى ، وكنت أحب الجلوس بين الإمام و المؤذن ، كان يشعرني هذا كأني في بلاط الخلفاء ومجلس الحكم وأتخيل نفسي إماما في أي لحظة يسحبني فيها الإمام لأكمل الصلاة بالمصلين أو أن يتأخر المؤذن فأرفع الآذان نيابة عنه ، هذا كان سيكون كمن يحصل على ولاية في عهد الملك المنصور ، وكنت أساعد المؤذن دائما وأخدمه ، وأتلقى الابتسامة بعد كل صلاة من الإمام كان هذا مكافأة لا تقدر بثمن .. ! 
ذات مرة صاح أحد شيوخ من عجائز المسجد للمؤذن  ذلك ، يا فلان ، " الفتى الأحمر هذا لك ؟ " فقال ذروه وشأنه يخدمني ويرعاني وقد يكون لي فيه مآرب أخرى .. 
ففهمت ما قالوه وتركت الصف الأول و القدوم باكراً للصلاة وتركت خدمة كبار السن في المسجد حفظا لنفسي خوفا من التماسيح المسبّحة في زوايا المسجد .  
وعرفت أن صنع المعروف في غير أهله حتى وإن كان في بلاط بيت الله لا ينفع وفهمت قول الله " أرذل العمر " .
....................................................
زاويتي و المصحف
تراجعت للثلث الأوسط من المسجد محافظا على القدوم المبكر المعتدل لصلاة الجمعة ، أقرأ سورة الكهف و أحفظها و أراجعها عدة مرات ، واتصفح القرآن وقصصه حتى يأتي وقت الصلاة وكنت أقرأ بصوت خافت لكنه مسموع بعض الشيء، كان في كل جمعة رجل أجنبي هادئ وقور يغزو الشيب رأسه كأن لون شعره رمل بحر نثر على رماد ، ومرت الجمع جمعة تلو جمعة و أنا على عادتي وهو في مكانه حتى أعتدنا وجود بعضنا حيث عندما يرفع الآذان يعطيني المصحف فأضعه في مكانه ، فسألني ذات مرة بعد الصلاة ابن من انت فقلت أنا ابن أبي كذا كذا ، فابتسم كأنه عرفني وتأكد من شيء ما ، بعد فترة أردت تغير المسجد في جمعة من الجمعات فصليت في المسجد بجانب بيتنا ، فوجئت بالرجل أتى للبيت ويحمل الهدايا ، ويجلس في بيت الضيافة عندنا مع أبي وقد اثنى علي ثناءً عظيما كثيراً ، وقد ظن أنني مريض فغبت وفقدني وأتى يطمئن عليّ ، واتضح أنه أستاذ جامعي من إحدى الدول العربية ، يعمل بمكان يزوره أبي من فترة لفترة وأحب التقرب له فكنت السبيل لذلك حتى بلغ حاجته ولم أره بعد ذلك . 
وابتعدت عن تلك الزاوية وغيرتها لمنتصف المسجد بعيدا عن ذكرى المتزلف طويل النفس . 
وعرفت إن لم يحبك الناس طمعا فيك قد يحبوك طمعا في غيرك أن يصيبهم نفع منه عبرك أنت ، فما كل من كان محترما طيبا تودد لك  ليس بالضرورة أن يكون من أجل حسن عملك وصنيعك .
.................................................
هذا قليل من كثير قد أعود لتدوينه وأكمل حيث أنتهى هذا 
#كاتب_الرقاع 
#رقعة_المسجد

الصورة من الأنترنت *

مروراً بالمسجد ،، حكاية طفل

مدون ، يحكي أفكاراً وذاكرةً

EL7AKE - الحاكي

Popular tracks