“خلصت القصة”… ولم ينتهِ الألم.

لم تكن هذه الأغنية مجرد عملٍ فني عابر، بل كانت مرآةً لحزنٍ حقيقي، ومرثيةً غير مباشرة لروحٍ فُقدت.

في عام 1983 ، اجتمع الشاعر سعود الشربتلي بالفنان طلال مداح في القاهرة، وبدأت ملامح الأغنية تتكوّن. كتب الشربتلي المذهب وكوبليهين من النص، وبدأ طلال في تلحينها، وسُجّل جزء من العمل بالفعل.

لكن شيئاً لم يكن في الحسبان…

فُجع الشربتلي بعد ذلك بفقدان شقيقه فيصل، وكانت الصدمة أكبر من أن تُحتمل، فلم يجد مخرجاً لحزنه سوى أن يسكبه في ذات النص. كتب كوبليه أخير، لم يكن مخططاً له، مليئاً بالحنين والخذلان والانكسار:

مسافر.. مفارق.. مودع حبيب
مشيت في الطريق.. البعيد الغريب
طريق ما عرفته.. طريق ما شفته
أقول ده غدر؟ وإلا أقول ده نصيب؟

وحين قرأه طلال، تغيّر كل شيء. تأثّر به بشدة، وأصر على إضافته فوراً للأغنية.

دخل إلى الاستوديو ليسجله، لكن صوته ارتعش… وانهار.

توقف التسجيل.
لم يستطع إكمال الأداء.
بكى، وبكى معه الشربتلي، فقد اجتمع الحزن في الكلمات، والصدق في الصوت، والمأساة في الموقف.

الأغنية لم تُعزف على أي آلة موسيقية، بل لحّنها طلال مداح بصوته فقط، وكأن كل دندنة كانت نحيبًا، وكل وقفة صمت كانت صلاة وداع.

“خلصت القصة” لم تكن مجرد أغنية… كانت تجربة فنية وإنسانية صادقة، نادرة، وخالدة.
كان صوت طلال فيها لا يغني، بل ينزف.
ينقل إحساس رجل فقد كل شيء… لكنه لم يجد وسيلة ليبوح، إلا من خلال الفن

خلصت القصه | جوده ( إعّجازيه ) .

تخيّلوا جت! عبادي

ياحبيبي وينك انت؟ - تسجيل مؤثر | ذكرى

أغنية “الجرح أرحم” ما كانت مجرّد كلمات تُقال أو ألحان تُعزف، كانت صوت رجل حمل في صدره وجع سنين، وصار يغنّي علّه يلقى عزاء، أو يمكن يلقى في أحد يشاركه الهمّ اللي ساكنه. عبادي الجوهر، الفنان اللي أطلق عليه محبّينه “أخطبوط العود”، ما كان يومًا يركّز على الشهرة قد ما كان يغني من قلبه، وقلبه هذا مرّ بتجارب ما يطيقها بشر.

من يومه صغير، كتب القدر أول صفحة من حزنه. انولد عبادي يتيم الأب، ما عرف حضن أبوه ولا سمع صوته، وتربّى في كنف أمه اللي صارت له كل الدنيا، ومعها كان أخوه عبد الرحمن، السند، الرفيق، والظل اللي ما يفارقه. لكن ما تمّت له الفرحة، يوم انخطف نور أمه وهو في عز مراهقته، باقي ما عرف كيف يتوازن في الدنيا. فقدها في لحظة، وانكسرت داخله أشياء كثيرة، بس كان عبد الرحمن موجود، يلملم شتاته، ويوقفه على رجوله كل ما طاح.

مرّت السنوات، وكأنها تداويه على مهل، وتغيرت ظروفه شوي. ذاق طعم النجاح، ولاقى له قلب يحتضنه، تزوج من نورة سعد الحريقي، اللي كانت له مو بس زوجة، كانت وطن. كانت تسنده في حفلاته، وتواسيه في تعبه، وتضحك إذا نجح، وتبكي إذا ضاق صدره. معها حس إنه لقى نصه الضايع، وبدت الحياة تعطيه من حنانها شوي، وكأنها تعتذر له عن أول الضربات.

لكن الحظ اللي ابتسم له، ما طول. يوم ما أحد كان متجهز له، سمع الخبر اللي كسر ظهره: نورة، رفيقة العمر، مصابة بالسرطان. ومن ذيك اللحظة، بدأ العد التنازلي للسعادة. شافها تتعب وتضعف، وشاف قلبه ينكسر قدام عيونه، وهو ما بيده حيلة. وبعد معاناة طويلة، راحت… راحت وخلّت الدنيا عليه أضيق من خرم الإبرة. ما ودّعها مثل ما وده، ما قال لها كل الكلام اللي بقلبه، بس طاحت دموعه على وسادته وهي ما عادت تسمعه.

وما خلص حزنه، لأن عبد الرحمن، أخوه، قلبه ما تحمل يشوفه بهالحالة، وما مر شهرين إلا وسبق نورة، ولحقها، وكأنهم اتفقوا يخلونه وحده. لحظة وحدة، خلى القدر عبادي وحيد، مثل أول، بس هالمرّة كان الفقد أعمق، لأن الناس اللي خسرهم هم اللي بقوا معه لما خسر كل شيء قبلهم.

بقى عبادي مع بناته سارة ومي، وقال: ما لي في الزواج بعد، أنا أبوهم وأمهم، وأنا ظلهم الوحيد في هالدنيا. صار يغنّي وهو مجروح، وكل نغمة من عوده فيها ألم، وكل لحن له حكاية.

وجت الأغنية… “الجرح أرحم”. هي ما كانت مجرد نص لحنه أو صوت سجّله، كانت بكاءه اللي ما قدر يقوله، كانت نزف داخله اللي ما شافه أحد. يوم قال:
“الجرح أرحم من فراقك دقيقة
لو ترحلي أعيش من غير ما أدري”
ما كان يمثل، كان يعترف. الجرح أهون من فقد الأحباب، الجرح يعور لكن يبقى، أما الفقد… يذبحك وأنت حيّ.

غناها بصوت مبحوح بالحزن، فيه غصّة وفيه رجفة، وكل من سمعها ما قدر يمسك دموعه، لأن الصوت كان حقيقي، والمشاعر كانت طافحة، ما فيها تصنّع ولا مبالغة.

اللي يسمع “الجرح أرحم”، ما يسمع بس فنان يغني، يسمع رجل انكسر قلبه أكثر من مرّة، لكنه ما استسلم. وقف على المسرح وهو حزين، وهو يتيم، وهو مجروح، بس واقف. يغنّي علّه يلاقي في الجمهور أحد يحس فيه، أحد مر بنفس الألم، أحد يبكي معه وهو يقول:
“أعيش من غيرك؟ لا… لكن الجرح أرحم."

Ali.

Popular tracks