نصوصي بصوتي.. راقية جلال الدويك

لعل من اخترع المنازل كان بالأساس يريد الاختباء
فلما اختبأ.. أصابه الحنين للسعة، فجعل في البيت النوافذ
فلما كشفته النوافذ لعيون آخرين، جعل عليها الستائر
فلما حجبت الستائر النور، جعل المصابيح
فلما أرّقت المصابيح عينيه أطفأها.. فسادَ الظلام
فلما بددت الشمس الظلام
ترك المنزل بمصابيحه، وستائره، وشرفاته، وانطلق في نور النهار
فلما برد الليل.. عاد للمنزل
كان اختباؤه في الأساس.. من وحشة.. ومن برد
قطبان يتقاذفان خطوة قلبه الشقي.. والقلب ضيَّعَ الخطا
----
راقية جلال الدويك

حتى ترضى

من اخترع المنازل.. راقية جلال الدويك

بم أناديك؟ 
أأقول يا جابري .. 
فأنت كم جبرتني خاطرا وعظاما وروحا .. 
كسروا خاطري فجبرته.. وكُسرت عظامي فجبرتها.. وتصدعت روحي فجبرتها .. 
نعم أنت جابري الجبار..
ولكن .. أنت أيضا راحمي .. ذنبا وشططا وأمنيات 
تكاثفت ذنوبي فرحمتني غفرانا.. وشطت أفكاري فرحمتني نسيانا.. وتناثرت أمنياتي فرحمتني بحسن الأقدار..
نعم أنت راحمي الرحمن
وأنت أيضا قاهري.. خوفا وأشباحا وأشرار 
سد علي الخوف بابي فشققت لي الجدار.. وتعاظمت في ليل وحدتي أشباحي فشققت لي النهار.. وتكاثر على ضعفي الأشرار فجعلت من ضعفي عجبا يشغل الأبصار 
أنت أنت قاهري القهار ..
كثرت أساميك وضعفت حيلتي في الذكر والتسميع والاستبصار 
لكنني لا ألوم نفسي لو نسيت أحد أساميك الكبار .. 
فهل أحاطت بك يوما أسماء؟ هل انتهت صفاتك بعقد الكلمات والأشعار؟ 
ما الحروف إلا باب صغير على كبرياء جلالك الواحد الخالد السيار 
ما الكلمات إلا حيلة .. وما الأسماء إلا وسيلة .. وما الذكر إلا محاولة اتصال..
فإنني بأصل الحال لديك .. روحي بين يديك.. قلبي يسمعك ينتظم نبضه برضاك ويختل بغفلته عنك
أنا أحارب الكلمات عليك .. وأهادنها فيك.. وأرجوها إليك
سميتك جابري وراحمي وقاهري.. وأنت كل من فعل وكل من سيفعل
يا صاحب الأفعال .. يا ممتنعا على النزال 
يا دوائي وغطائي وعارفي الواحد 
يا حبيبي على كل حال. 
#راقية_جلال_الدويك

بِمَ أناديك_راقية جلال الدويك

... 
سِرتُ اليوم على طريق يشبه طريق لقائنا القديم.. أخوات هذه الأشجار شهدت عبوري الطريق إليك ذات نهار فائت.. وامتداد هذا الطريق أوصلني يوما لك.. ونفس هذه الشمس أشرقت قبل زمان لتشهد لمعة عينيك حين رأيتني.. حين غطيت بعدساتك السوداء لمعة العينين.. فلم تنطفئ.

تتشابه السيارات وألوانها.. ووسائل راحتها.. وإزعاجها. تتشابه علامات الطريق.. وزوايا شعاع الشمس.

وحدك أنت لم تكن حاضرا.. وحدبك بالحماية والانتباه الشامل لي كان مفقودا من المشهد كل الفقد.

ثم لاحظت مع غيابك أن لون الأشجار باهت .. كأنه فيلم من الستينيات حاولوا تلوينه فلم يفلحوا.. والطريق.. الطريق كان صامتا.. لم يضحك لي ضحكة واحدة كما كان يفعل معي بالأمس البعيد.. حين كنت أظنه يحاول إلهائي عن ابتسامتك الساحرة.. ربما الطريق غاضب مني منذ هذا الزمان فحرمني اليوم ضحكته!
أما الشمس.. الشمس صديقتي التي كانت تساعد ألواني البسيطة الخجولة على الازدهار.. كانت اليوم حمقاء تماما.. فإما حر منفر وإما غياب بارد.

فهل كانوا كلهم يأتون معك سعداء.. هل كنت تأجُرهم على أدائهم المُبهر هذا.. هل كنت تحدثهم قبل وصولي وتلقنهم الأفعال واللمحات! لا أدري.. كنت أظنهم كيانات صماء.

اليوم أبلغوني اعتراضهم الصريح على ما آل إليه الحال.
كانوا يظنون أنني راضية بالفراق.. بل اتهموني بأنني المُفارق الشرير.. وما علموا بساعات البكاء.. ما قرؤوا خطابات الحنين.. ما شهدوا سيري إليك بلا موعد..
وعودتي بلا أمل..

كانوا حقا أصدقاءك.. مثلك ظالمين.

#بنت_جلال

طريقنا القديم.. راقية جلال الدويك

هتفضل كام سنة فاكر حبيبك؟ طب محتاج التواريخ؟
ولا بتكرهها عشان بتدوس على قلبك بالأرقام المتشابهة الشريرة؟
طب فاكر لسة حبيبك بعد ما فاتوا سنين؟
بعد ما فاتت أيام حر وبرد وخوف وسكينة من غير كلمة معاه؟
كان عندك خزنة كبيرة كفاية شايل فيها كلام ومحبة ووصل وضحك وحب يكفي الجاي؟
طب شايف بكرة ازاي؟
ويَّاه؟
ولا خلاص نكبر ونبص لقدام؟ 
ما الحي من الميت بيبان
الحي من الميت أولى.

أولى؟ أولى بإيه؟!
بالحب؟ بالتفكير؟ بشغلة قلبك؟
والحي.. تقصد مين بالحي؟! 
الحي في قلبي حبيبي
ومكانه ميتغيرش
ساكن روحي وقاعد جنبي وبيكلمني..
وبناكل نفس اللقمة وننام على نفس الفرش..

فاكر؟! 
قال فاكر قال! 

دا حبيبي عايش اكتر م العايشين حواليا
دا حبيبي.. مايجوزش عليه نسيان.

#راقية_جلال_الدويك

حبيبي مايجوزش عليه نسيان.. راقية جلال الدويك

وامنحني العطية دون ثمن.. أدخلني الجنة وأنا مازلت على الأرض.. ارحم عقلي من الانشغال بموازنات الدنيا وتوقعات انقلاب الأيام.

أنا ألهو بالصبر منذ عرفت فكرة الأيام والتقويم.. كان يلهو هو بي في بدايتنا معا.. فظللتُ أحايله وأنازله حتى جاء يومٌ وهزمته في عقر داره.. في الانتظار والتسليم والقبول.

فقلت الزهد الزهد.. الزهد جنتي.

لكن دنياك حلوة.. والأحلام تمنحها ألوانا رائقة ساحرة تشغل العين عن ألم النظر في الخيبات السابقات.

أنت من خلقت الدنيا وخلقتني وأجريت بيننا هذه المجادلة السرمدية.. أنت لا تعين دنياي علىّ.. بل إنك كثيرا ما تعينني عليها.. لكنني اليوم أريد العطية خالصة.. دون أن أنشغل بحسابات الأيام .. أريد أن تكون المسألة بيني وبينك متحررة من قوانين الدنيا.. أعلم أن ذلك لا يكون إلا في الجنة.. لكنك أنت خالق الجنة.. أنت صاحب الأكوان أجمعين.. وما الدنيا والجنة وأنا إلا قطرات بين يديك.. تُسقط تلك وترفع هذه.. ما لأحد منا عليك سؤال.

وأنا لا أسأل.. أنا أتذلل
فارحم ذلتي واقبل دعوتي.. وافتح لي على أرضك جنة باسمي.. جنة تخصني.. أركض إليها.. وأسكن فيها.. وأتدلل بين عطاياها.. فأختار تلك الآن وأرجئ هذه لغدٍ.. فكلهم ملكي.. كلهم خالصون لي..
وكلهم منك..
وكلنا لك..
فامنحني يا ملك.

#بنت_جلال

وامنحني العطية دون ثمن.. راقية جلال الدويك

رحلات صحراواتك.. تلك الحارة العطشى الأليمة.. التي قطعتها وحدك.. وعرفت مكان سحاباتها الرحيمة وحدك.. وضمدت شقوق أقدامك فوقها وحدك.. هذه سر ظهرك الممشوق.. وعينك الثاقبة.. هذه وشاح إنسانيتك.. هذه وسام سوائك.. فاحفظ لها ثلاثة شروط تحفظك حتى آخر العمر:
لا تخبر أسرارها أحدا
ولا تذكر أيامها بحزن
ولا تتمنَّ عودتها
إنما هي رحلة واحدة.. ووصول واحد.. إن قطعتها حُزتَ شهادة حياتك..
وأنت لن تملك فهما حقيقيا بها إلا بعدما تنهيها.. فمتى أنهيتها.. فأمسك عن أسرارها لسانك..
فإنما هي سرك ولست أنت صاحب سرها..
وإنما هي دليلك ولست أنت من قطعها..
وإنما هي صاحبك.. ولست أنت من اخترتها..

فهل لنا مع السر إلا الحفظ الشريف..
وهل نكافئ الدليل إلا بامتنان الوصول..
وهل لنا مع الصاحب الذي اصطفانا سوي أن نصطفيه.. ونحفظ حظنا فيه.. ونبتسم في وجه الدنيا بعدما قطعنا معه وبه مفازاتها الصماء.. وعبرنا جبالها العمياء.. ونظرنا في عين شمسها أقوياء أبرياء..
ابتسمنا ولم نخف شيئا.. ابتسمنا صامدين حتى ابتسمت لنا شمسها.. مع غمزة عين ذكية حوراء.

#بنت_جلال
#راقية_جلال_الدويك 

رحلات صحراواتك. راقية جلال الدويك

هل أتى على الإنسان يوم من الزمان نسي عذابه ومَن عذبه؟
أتى.. 
متى؟ 
حين طال الزمان الفارق بينه وبين من آذاه.. 
وحين رأي جزاء من آذاه شاخصا أمام ناظريه يقول له أنا جزاء ألمك أرد عنك الصاع صاعين، فلا تبتئس.. 
وحين أبدلته المقادير عن الحزن فرحا..

أو.. حين عاشر من هم أشد إيذاء.. فعرف أنه حتى في الإيذاء درجات من الرحمة.. وأن بعض أهله ضعاف الفعل والأثر.

لكن أعظم أحوال النسيان تأتي لما تهدأ نفس المُعذب حين يوقن باستدارة الزمان .. فتتلاشي تفاصيل وتنكمش ذكريات، وتستجد حوادث وتتحقق أمنيات، فلا يعود يجد في وقته الثمين فسحة للتذكر والاجترار والأسي.

وعلى كل الأحوال، لا ينسى الإنسان عذابا تلقاه على يد غيره إلا برحمة من الله.. أمرٌ إلهيٌ يتنزل على قلبه أن انظر أمامك وأهمل ماضيك وانتظر فرجا.. فإن تنزل له الأمر صار النسيان أصيلا فيه حتى ليظن الناظر إليه أنه لم يعرف يوما ألما.. وحتى ليظن هو ذاته أنه كان يصطنع حكايات الألم.

فإذا تعذبت فاصبر..
وإن نازعتك الهموم على روحك ففر بروحك..
وانتظر تنزيل أمرك..

ولسوف يأتيك..
ولسوف تنسى..

ولسوف ترضى. 

#بنت_جلال
#راقية_جلال_الدويك

هل أتى على الإنسان_راقية جلال الدويك.mp3

ويا فتى.. لعل أوقع أسباب الفهم أن تعرف روحك في الزمان..
 
سل نفسك اليوم.. أكان صِباكَ كرُشدك؟ وهل حييتَ وقت اصطفاف أحبابك حولك كما عشت وقت اغترابك؟ 

الزمان مالك ريشة الرسم الوحيد.. يُضفي رتوشَه عليك حالا وراء حال.. فيجعلكَ اليوم طائشا مدفوعا بالأمل الساذج، ويرسمك غدا يافعا مشمولا بنور الشباب، ويكمل جمال لوحتك بنضج الرجولة.. ثم يخفف الأضواء حولك لتناسب هِرَمَكَ المُفاجئ -يأتي الهِرَمُ فجأة دوما- 

فاعرف نفسك في زمانك، وانظر أحوال الزمان فيك.. لتقبل ما لا تملك رفضه، وتغير ما تملك تغييره، وتعرف الفرق بين هذا وذاك.. 
ثم تُعظِّمَ ما أعطاك..

فإن صِباك ليس كرُشدِك.. أبدا 
والتفاف أحبابك حولك لا شبه بينه وبين اغترابك.

راقية جلال الدويك

ويا فتى..

قصيدتي في رثاء وسام الدويك أخي الأكبر
توفي فجر الأربعاء 13 فبراير 2019
.......
أنا كنت عاملة فيلسوفة وهو كان عامل مُريد.
أكتب يقول الله!
أقرا يقولي أعيد

واهو راح بعيد

فعرفت إن الفلسفة خاينة وكل كلامها وهم
وإن موت الاحباب سهم.. يقتل العايشين

الحرف ما عاد يتجمع عالحرف
الفكرة متفككة.. والدمعة متلككة
والدمعة توجع؛ أصلها بتنزّ دم

عيَّط على قد جهدك.. واجمع المناديل
الليل يعاكس قدرتك عالنوم
واليوم يعاكس قدرتك عالفهم

إجمد يا شاطر واسمع الحكمة الأهم:

مهما تعاشر ومهما يصفالك حبيب
على ناصيتك وحدتك مستنياك
متأكدة إنك حبيبها وفي النهاية راجعلها
مترصَّدة لبكاك
مُتهكِّمة على وجعك الحرَّاق
مستغربة منك:
"قال يعني أول مرة يعرف الفُرقة ويدوق الاشتياق!"

الوحدة معذورة وجهلها يتفَهَم؛
طول عمرها محرومة من طعم المحبة، 
مجربتش
تعيش وتطمن وتغض البصر عن كل أشباح النهايات العسيرة المرصوصين جوا السعادة ال.. متعشقة بال.. هَمّ

الوحدة مرتاحة من عذاب الفقد ومرار السؤال اللي انكتم
السؤال اللي بيحرق كل أطرافك ويكوي قلب بالرعب اتلَكَم
السؤال عن "ليه؟" والتاني بتاع "إزاي؟" 
والتالت العاجز بتاع "وانا هاعمل ايه في اللي جاي؟!"

الوحدة مبتزهقش من جمع الحبايب جنبها فرد فرد
الوحدة رد نهائي على سؤال ما اتحسم

"الوحدة.. آخر محطة ف سكة العشاق 
رايحين لها رايحين لها
مهما حبيب على حبيبه اتلمّ".

وسام الدويك
#راقية_جلال_الدويك

بعد وسام.. راقية جلال الدويك

إن كان حبك أفعالا، فاجعل له كلمات وأطلق عليه الأسماء..
وإن كان حبك كلمات، فليكن أصلها فعلا صادقا..
الحب ينبُت بالفعل ويُسقى بالكلمات..
الحب تلزمه جسارة وبلاغة..
وليست الجسارة هنا تكسير جبال أو عبور بحار .. وإنما هي المبادرة الدائمة لكل فعل يُخبر بأثره عن صدق المحبة..
كما ليست البلاغة هي قول النثر ونظم الأبيات وإنما بلاغة لسان حرّره صدق الحب، وأضاءت كلماته ثُريّات السكينة لحال المحبة..
أمّا إن اكتفيت بأفعال خرساء، أو تخيلت في الكلمات الجوفاء وحدها أثرا، فلا تغضب إن مات حبك بسكتة وأنت تحيا به.. أو تناثرت حروفه في فضاء الوهم وأنت تنظم فيه الدواوين الكبار .
راقية جلال الدويك

إن كان حبك أفعالا.. راقية جلال الدويك

محنة المحبة الفراق.. ومحنة الفراق الاشتياق

كنت تحبه حتى صار بعضا من دمك، لم تنتظر يوما غيابا، ولم تحفل بزمن
كانت مصابات الناس بالفراق في عينيك ضربا من خيال؛ فأنت المنيع صاحب المحبة الراسخة

وحين صعقتك المحبة بالانفلات والتخفي، وصعقك الزمان بالحوائط الأربعة حولك، والحوائط الألف في فؤادك، خدعتهم بالصمت حتى قالوا "طابَ وتعقل"، وأنت والعقل حينها ألد أعداء.

كان مهربك الوحيد ساعتها أن تكفر بالمحبة، وأن تلعن الوصال
كان الحل التعيس من عقلك الذي فتّته الشوق أن تزهد الوسيلة والغاية معا، أن تعتزل الودادَ كله بحلوه المُسكر ومره المُهين.
..
حسنا
ألا فاعتزل يا شديد العزم، اصنع مُلكك العصي على مُطال الحب والود والقرب، ومصبات المياه العذبة كلها..

كأنك إن عشت بقية العمر عطشانا اعتدت العطش، فمنعت نفسك عذاب العطش
كأن العطش سيغدو طبيعة يفهمها حلقك المتشقق، ويتقبلها صدرك المشقوق

ألا فاعتزل يا عظيم القرارات يا سيد الحسم
تمتع بوحدتك وانشد للعطش أناشيد الغزل البغيض
لن يُضير الماءَ تعففُ فمك، ولن يبدل لأجل أوهامك حلو مشربه

كما واعلم أنه لن يغنيك طولُ صومك عن حب الارتواء مهما طال صومك،
ولن ينسيك اعتيادُ الفراق يوما متعة الوصل التي شكَّلت مُهجتك

فإن الأصل بين المحبين هو الوصل
وغاية كل منع أن تدركَ مقامَ النعم.. فتتأدب حين تصطفيك لودادها.. ثم تنتظر إذنا
فمتى أذنت لك أن تنهل.. فانهل.. انهل إلى أن تسترد صفيَّ فؤادك.. وتستعيد عفىَّ دمك

ثم قل "شكرا لطيبات القدر"
راقية جلال الدويك

محنة المحبة راقية جلال الدويك

أبي .. عليكَ السلام
..
لقد صرتُ بخيلةً يا أبي
هذا الصباح التقيت أحد أحبابك الطيبين فلم ابتسم في وجهه
أعلم أنه لا يذكرني
لكنني كنت ابتسم في وجه كل الناس يا أبي
كل الناس.. أحبابك والغرباء
..
لقد صرت خائنة يا أبي
قبل أيام راسلني صديق قديم يخبرني أنه بحاجة إلى حديث طويل
ونصيحة، وتربيتة قلب
فقلت له أفعل.
ثم اغلقت هاتفي ونمت هانئة
وأنت كم شددت علي في كل يوم ألا أخذل الأصدقاء
تركت صديقي مع همه الوحشي يا أبي بلا عذر.. وكنت خالية من الأعباء
..
لقد صرت ضعيفة يا أبي
قبل ساعة واحدة
تعثرت على درجة السلم الثانية
السلم الذي كنت أسابقك عليه فأسبقك دوما
لأنك مع ضعف خطوتي كنت تتعمد الإبطاء
اليوم تعثرت عليه يا أبي..
رغم اني أفطرت جيدا، وتناولت الدواء،
وصعدت بهدوء وحذر نبهني عليهما طبيبي قائلا "لا استثناء"
..
لقد صرت وحيدة يا أبي
مرَّ عليَّ أسبوعان لم يطرق أحدهم باب منزلي
وقد عشت عمرا معك نضج بكثرة الزائرين ونعيد تهذيب المنزل كل مساء
حتى سائقي الطيب لم يحضر لموعدي، وتحجج بمناسبة عائلية بلهاء.
..
لقد صرت شريرة يا أبي
مرَّ بجواري قط جائع هذا المساء
تمسح بتنورتي استجداء..
وأنت كنت قد علمتني أن العينين تخبران الحقيقة دوما
لكنني أهملته ومضيت ثابتة
لم أكترث لانكسار عينيه.. ولا لكثير المواء.
..
لقد صرت عجوزا يا أبي
أشعر بالبرد طوال الخريف، وبعض الربيع، وكل الشتاء
وأنا التي كم رفعت عنك الغطاء لتركض معي في سوابق الشتاء.
..
لقد صرت غريبة يا أبي
لا أنادي سواك ..
وأنت.. بعيد جدا
كيف أطاعك قلبك ألا تجيب النداء!
..
لقد صرت مفتونة يا أبي
في غيابك
أبث الكلام وأنسى السلام
إليك سلامي أبي يا حبيبي
وفيك لشتات قلبي منزل.. واتكاء.
...
#راقية_جلال_الدويك
1/12/2019

أبي عليك السلام.. راقية جلال الدويك

دكتوراه علم النفس الكلينيكي، صاحبة كتابي "أهل الوداد" و"حتى ترضى"، مترجمة