في البدء | نشيد الصعاليك | محمّد عبدالباري

ما لم تقله زرقاء اليمامة - الشاعر محمد عبدالباري

ألقى محمد عبدالباري  قصيدة تاريخ عادي لامرأة غير عادية من ديوان لم يعد أزرقًا على مسرح إثراء بالظهران في ٢٠ يناير ٢٠٢٢:

هي وحدها امرأةٌ
وتعطي الماءَ فرصتَه ليصدقَ في السرابِ

من يومها كانتْ هناك
عنيدةٌ كالمستحيلِ
جميلةً كالسيفِ
جارحةً كذكرى الغائبين
وحرةً كالأغنياتِ على السفوحِ
وجادةً كالمنتهى من شمسِ آبِ

منذ البدايةِ كانت امرأةً
تحاصرُ ما تمرّدَ من أنوثتِها
لتخفي الرائعَ المغرورَ من هذي الأنوثةِ بينَ أقواسِ الضباب

تحمي ألوهتَها من الشُّبهاتِ
بالصمتِ الجليلِ
وبالعلوِّ وبالغياب

ولأنها كانت تريدُ الذاتَ سالمةً تمامًا
من خدوشِ الآخرين
تعوّدت ألا تساومَ في حراسةِ منزلٍ
من دون بابِ

لكنها قالتْ لبرقٍ خاطفٍ في القلبِ: أهلاً
حينما نظرتْ إلى رجلٍ
رأته على الموازي من طريقِ خروجها عن روح هذا العصر
يحملُ - مثلها - رفضَ القصيدةِ كلَّه
في وجه أزمنة الخراب

هي لحظتان
وقررتْ أن تُنقذ القمرَ المحاصرَ بالغبار
وأن تُريحَ هروبها منها قليلاً
قررتْ أن تمنحَ الرجلَ المفاجئ فرصةً
نسيتْ يديها في يديه

وسمّت الفيضانَ في عينيه
تعويضًا لها عن كل تاريخِ الجفاف
وسلّمته قلاعَها السريّةَ الحمراء
حين استأمنته على مواطنِ ضعفها
وشكتْ إليه صبابةَ الخطأ التي من بعدها 
لم تقترف حتى صباباتِ الصواب

فرشتْ له سجادتينِ أنيقتينِ من الكلام
ورنّحتهُ على حبالِ تشهيينِ
وقاسمتهُ نصيبَها البريَّ
من روحٍ مليءٍ بالحمامِ
وثُمَّ من جسدٍ مليءٍ بالذئابِ

حملا معًا ما شفَّ من لونيهما
وتداخلا في عشر لوحاتٍ من المدنِ الغريبةِ
فيك يا روما القياصرةِ القدامى
يا كرستال الغروب أمامَ قوس النصر في باريس
يا غرناطةَ القلبِ المجرّحِ بالهواءِ الحادِ
يا أعلى الشمالِ الأردنيّ
متوّجًا بالمستهلِّ من القرنفلِ في الروابي

فيما وكانت تطلبُ الأبديَّ
باغتها المؤقت
فجأةً كسرَ الهواءُ زجاجةَ الليلِ المؤجّلِ
حينها رأت الظلامَ الموحشَ السيّال
يقسمُ نفسَه
في أسودين من البرودةِ والفراغِ
كلاهما يُفضي -على حدةٍ- إلى جهةِ اغترابِ

وتذكرتْ - أثناء ما كانت تؤرخ سيرةً للشرخ - أنهما
ومنذُ اللحظةِ الأولى لهذا الحب
قرر عنهما قدرُ التوازي المستبدُ
وحيث ليس بوسعها الطرق الموازية التوحد
لم تعد إلا الصداقةُ وحدَها
فلتندلع في القلبِ
أجراسُ الذهابِ

من يومها
وهناك سيدةٌ تلملمُ ليلها
مشغولةٌ جدًا 
بتحرير الأغاني من معانيها
وجرّ الذكرياتِ إلى أماكنها من النسيانِ
سيدةٌ 
وتطفئُ قلبَها
أثناءَ إطفاء الشموع
وتُرجعُ الآن القناعَ لوجهها
أثناءَ إرجاع النبيذِ إلى الخوابي

تاريخ عادي لامرأة غير عادية - محمد عبدالباري

ألقى محمد عبدالباري قصيدة الشبابيك في سهرها الأخير من ديوان لم يعد أزرقًا على مسرح ذا ستيج في الرياض، السعودية، بيوم الخميس 27 يناير 2022. 

تعالي قاسميني ما تبقّى
  كما يتقاسم الأمواجَ غرقى

بأشجى ما به يَبكي نحاسٌ ويُبكي
 آخر الأجراسِ دقّا  

ستحملنا الجهاتُ على يديها
لتنفضنا غدًا غربًا وشرقا  

سيُخرجنا من الوقتِ التخلي 
ليهدرَنا مع التوقيتِ فرقا

  غدًا سيكوننا شجرٌ تناءى وراء الوهمِ  
بالنسيانِ يُسقى

  فيا من كنتِ 
 مما كنتُ أعلى 
 ويا من كنتِ  
مما كنتُ أنقى 

  لموّال البدايةِ أرجعيني 
 فوجهكِ كان في الموالِ طلقا  

هناكَ وأنتِ في تشرينَ  
وهمٌ تواضعَ مرتين 
 فصارَ حقّا
  لأولِ وهلةٍ  - وأنا اشتباهٌ توسّم في دمشقيٍ دمشقا- 

  ظننتكِ فكرتي 
 وشككتُ أني سهرتُ عليكِ تكوينًا وخلقا

هناكَ  
وأنتِ تقترحين موتًا وجوديًا عليّ 
 وليسَ عشقا

هناكَ  
جلستُ للوثنيّ مني 
وفاوضتُ الحجارةَ كي ترقّا  

ومن حرّيتي حررتُ نفسي 
كصقرٍ لم يعد يحتاجُ أفقا  

فيا بنتَ الجبالِ السبعِ 
 إني سألقى في غيابكِ ما سألقى 

  خروجي منكِ 
سوف يكونُ جرحًا يريدكِ
 ما أرادَ الجرحُ عمقا  

غدًا سأكونُ كالتابوتِ قلبًا 
وكالبالي من الراياتِ خفقا

  كآلهةِ الخرافيين سمعًا 
ككل الماورائياتِ نُطقا  

كما قبل البكاءِ أسىً 
وتيهًا كما بعد القصيدةِ حين تُلقى

  فيا سلمى التي لا شكَّ فيها 
 وغيرُكِ يستوي 
كذبًا وصدقا  

أنا بكِ في المجانين القدامى 
 بأولِ ما تيسّرَ منكِ أُرقى

   عديني أن سنلمع في حياةٍ موازيةٍ لنكمل ما تبقى   

هنالكَ حيثُ تمنحني الأعالي سلالمَ 
كي إلى عينيكِ أرقى

   وحيثُ أقول في الأبديِّ
  إني أحبكِ سورةً نزلت لتبقى

   وأما الآن والأرواحُ نقصٌ
 وليست عروةِ الأيام وثقى

   فللخطواتِ أن تمتدّ باسمي 
وتسبقَ أول الطرقات شقّا  

ستأخذكِ الرياحُ الآن مني
 ويا كم يأخذ الأقسى 
الأرقّا

  ولكني وعدتُ  
بأن أوالي زيارةَ قصركِ الليليّ برقا  

له أن يغلقَ الأبواب دوني
 ولي أن أوجعَ الأبوابَ طرقا

اُستخرج المقطع الصوتي من مقابلته: 
  https://www.youtube.com/watch?v=X82snglWL4Y

الشبابيك في سهرها الأخير - محمد عبدالباري

أُحبُّكِ
في أزرق لا أسميه لوناً
ولكن أسميه موتي
وفي شارع لا يريد الوصول
ونافذة لاتطيق الجدار
وفي ثمر مولع بالهدوء
يلوح لي باستقالته كلما جن باسمك صوتي
فلست أناديكي الا ويسقط فوقي الظلام
أُحبُّكِ
في المطر المتخثر فوق اعالي الجبال 
وفي الضفتين ، في النهر لا جسر بينهما
في البريد الذي لم يصلكِ
وفي الصلوات الأخيرة ،عادت الى الارض من دون اي سماء
وفي قبلة علقت في الهواء لأن فماً تآه من فمٍ
في الزحام
أُحبُّكِ
في مهرجان السكوت 
نرانا فتلمع منَّا العيون انبهارا
وتخفت شيئا فشيئا
كأنَّا قطاران بعد المحطة في الاتجاه المعاكس سارا
ولم يجدا لحظة للكلام
أُحبُّكِ
في غبش المنتصف وفي غامضٍ لا يسمى
يقابلني في الطريق وبإسم الضباب المكثف
يأمرني أن اقف
ولا أكمل الشوط نحو حرير يديكِ
ونحو الغرام
أُحبُّكِ
في غربة تكبر الآن بين العيون وبين الشفاه وبين الاصابع 
أشعر أن المسافة تركض بيني وبينك 
تزداد ناري ونارك برداً
ونزداد عن أول الحب بعداً
وفي البدء كان الختام
أُحبُّكِ
في المستحيل البعيد 
وقال لي الله لن تبلغه
احبك حد انتهاء الكلام وحد انطفاء اللغة
والسلام السلام

أحبك - الخروج من نصف الوردة - محمد عبدالباري

محمد عبد الباري - كأنك لم

ذاهبًا كالبرق.. محمد عبدالباري

قالَ الغريبُ لنفسه:
لا شيءَ يُشْبهُني سوى هذا القطار

هوَ في البدايةِ يرفعُ اليدَ بالدّخانِ مُلَوِّحاً
أنا في البدايةِ
أرفعُ اليد كي أُلوِّحَ للدُّخان

هو لا يرى إلّا طريقاً واحداً لا غيرَ يصلُحُ للرّحيل
أنا المصابُ بكُلِّ ما في الأرضِ
من ضيق التنفُّس
لم يزل يَنتابُني
جرّاء نقصٍ فادحٍ في الالتفات
وفي التوقع والخيال

هو وِجهَةٌ مكتوبَةٌ سلفاً
أنا جَبْريَةٌ لم تَنفَتحْ أبداً على التأويل

هو في المحطّات التي
تكْتَظُ في الوقت المحدَّد بالوجوهِ
تَوقْفٌ لا بدَّ مِنهُ
أنا فقدّتُ الحقَّ،
حقّي في التأخُّر عن حياة الآخرين

هو حينَ يقتربُ الوصولُ
يرى الحياةَ رتابةً لم تنتبه لتألُّهِ المألوف
لكنْ، لم يَعُدْ في وسعهِ شيءٌ
سوى أن يستعد لرحلة أُخرى
أنا ما زلتُ حينَ أنامُ.. أحلمُ بالخروجِ عن المَسار
لا شيءَ يُشبِهُني سوى هذا القطار

شبه يكاد - محمد عبد الباري

إنّي هنا
ظمأٌ على ظمأِ
فلتُرجعي لي هُدهدَ النبأِ

شمسُ الأنوثةِ في تفجُّرِها
لولا ندى عينيكِ
لم تضئِ

عينانِ خضراوانِ
أُنزلتا
للذاهبينَ لجنتَيْ سبأِ

يا كعبَكِ العالي
يدقُ دمي
ويحرّكُ الصلصالَ في حمئي

يا صوتَكِ المبحوحَ
يجرحني
ويفيضُ موسيقى على الملأِ

لما اندفقتِ بنفسجاً
وأنا
أُحصي حكاياتي مع الصدأِ

خفتُ التورطَ فيكِ
كم ولهٍ
قد سالَ في لغتي ولم أشأِ

أوشكتُ أصرخُ: يا مُعلقةً
في البردِ
هذا القلبُ فاختبئي!

أوشكتُ
أخطأ في مغامرةٍ
وأقولُ: في عينيكِ مبتدئي

يا ليتني أخطأتُ ليلتَها
بعضُ الصوابِ
يعيشُ في الخطأِ

ما تبقّى من جنّتي سبأ - محمد عبدالباري

يقرأ محمد عبدالباري قصيدة “النسخة الثانية من الغريب” من ديوانه الرابع “لم يعد أزرقًا”، والذي نُشر في ديسمبر 2020: 

النسخة الثانية من الغريب

يا مَنْ عَرَفتُكَ
بالتماسكِ مولَعَا 
حُريّةُ الجدرانِ أنْ تَتصدّعَا

ضاقَ المَدى المكتوبُ باسمكَ
فلتَكُنْ أنتَ التشظي فيهِ كيْ يَتوسعَا 

لكَ أنْ تدوِّيَ غاضبًا مِنْ عالَمٍ أخفاكَ وليَكُنِ الدويَّ المُفزِعَا 

لكَ أنْ تُعاوِدَ أنتَ تفجيرَ الطبيعةِ
إنْ بها فَضَّلْتَ أنْ تَتطبعَا 

أنْ تستقيلَ مِن التطابق: 
نزْعةً رأتِ الظِّلالُ لِمِثْلها أنْ تنزعَا 

أنْ تَخْلعَ الوادي المليءَ تواضعًا 
أنْ تَلْبسَ الجَبلَ المليءَ تَرَفُّعَا 

وتُحَرِّكَ الزلزالَ
صوبَ الثابتِ الشَّبَحيِّ في الأيامِ 
كيْ يَتزعزعَا

وتُزيلَ عنكَ مِنَ المياهِ سكونَها
وتَفُضَّها مستنقَعًا
مستنقعَا 

وتَرُدَّ ميراثَ النسيمِ لِأهلهِ الفقراءِ كيْ تَرِثَ الرياحَ الأربعَا 

***
يا عاتبًا جِدًّا على الطُّرُقاتِ إذ أَخَذتكَ منكَ
مودِّعًا ومودَّعَا 

هوَ أنتَ مَنْ أَسرى لِشيءٍ لَمْ يَكُنْ أبدًا
وأنسابَ الفراغِ تَتَبَّعَا

متداخِلًا فيكَ الهدوءُ المنتمي لِأسى الحقيقةِ بالهدوءِ المُدَّعى:

شاهدتَ عُمْركَ
وهْوَ يُرفَعُ رايةً بيضاءَ
كَمْ نَزَفَتْ لِكيلا تُرْفعَا 

سُرِقتْ خصوصيّاتُ وجهكَ كلُّها 
وتُرِكْتَ ما بَيْنَ الوجوهِ موزَّعَا 

ومُنِحْتَ حينَ مُنِحْتَ
قفلاً لا فمًا متكلِّمًا
وسلاسلًا لا أضلعَا

وأُصِبتَ وحدكَ بالرجوعِ 
فلَمْ تَزَلْ كالذكرياتِ تَودُّ أنْ تُسترجَعَا

أُبْعِدْتَ مِنْ سربِ الحَمامِ مُطَمْأَنًا
وأُضِفتَ في سربِ الحَمامِ مُروَّعَا

ودُفِنْتَ في الغيبِ الذي لا لنْ يُرى أبدًا
وفي السرِّ الذي لَنْ يُسمعَا

وحُرِمْتَ مِنْ ثقةِ الينابيعِ التي بَيْنَ الصخورِ تجاسرتْ أنْ تَنْبُعَا

وجُعِلْتَ تَخسرُ ثُمَّ تَخسرُ 
حَدَّ أنْ أصبحتَ في فنِّ الخسارةِ مَرجِعَا 

***
يا صاحبَ الساعاتِ 
صَوْتُ فنائها يدعوكَ
فلتذهبْ إليها مُسرِعَا

قَبْلَ انتهاءِ الماءِ أَعلنهُ انقلابَ الماءِ
كيْ يَلِدَ المصبُّ المنبعَا 

قاوِمْ ضبابَ الرُّوحِ فيكَ
وقُلْ لهُ لا بدّ عنّي الآنَ أنْ تَتقشَّعَا

قشِّرْ تجاعيدَ النهارِ لِيزدهي وجهًا
وحُكَّ الليلَ حتى يَلمعَا 

وأَزِلْ حدودكَ عَنْ حدودك
كُنْ هوًى في مُمكنٍ لِلمستحيلِ تطلَّعَا

فيما يخصُ شخوصكَ العشرين
دعْ منها المفاجئَ يَطرد المتوقَّعَا

وأضفْ إليكَ مِنَ الزوايا حِدّةً 
حتّى يصيرَ الدائريُّ
مُربَّعَا 

واقتلْ رِضاكَ
وبالتحررِ مِن أسى هذا الرِّضى لا تنسَ أنْ تَستمتِعَا 

فبغَيْرِ هذا الأحمرِ الثوريِّ في عَينيك
لنْ تَجِدَ القصيدةُ مَطْلَعَا

المصدر الأصلي للصوت:
https://youtu.be/MuTBzWvnJqc

تاريخ عادي لامرأة غير عادية - محمد عبدالباري

Restless

Recent comments

ضُحىً

Related tracks