العراب

النص لـ: أحمد مجدي
بصوت الراوي: مازن سلام
مراقبة لغوية: عبدالفتاح نوح
هندسة صوتية: أحمد مجدي

لأنَّ لحظاتِ الحزنِ هي الأكثرُ جلالًا وتذكُّرًا، ولأنَّ ما تجترُّه لا يكونُ سِوى الصدقِ الذي لا مِراءَ فيه، ولأنَّ بها تستبينُ كلُّ المعادنِ، معادنِ الحَزانَى، والمحزونِ على فِراقِهم، كانت لحظةُ حُزْنِ جيلٍ بأكملِه على فِراقِ الدكتورِ أحمد خالد توفيق، عرَّابِ هذا الجيلِ، وبطلِه الحقيقيِّ، الواقعيِّ، الذي لا لَبْسَ في انتمائِه رُوحًا وجسدًا وحِسًّا وخيالًا وواقعًا ونُكتةً وهزْلًا وجِدًّا وتفاؤلًا وتشاؤمًا، إلى هذا الجيلِ الذي نعاه أيَّما نعْيٍ، وأَجْزَلَ الدُّموعَ مِدرارًا على بابِ قبْرِه، فكأنما بُعِثَ حيًّا من جديدٍ في الثاني من إبريلَ عامَ ألفين وثمانيةَ عشَرَ، لا فارقَنا وفارقْناه، وفارقَ الحياة.
الأمرُ بدا كما لو كان زلزالًا ضربَ مِصْرَ والوطنَ العربيَّ، زلزالًا ترك الكُلَّ مشدوهًا، لماذا كلُّ هذا الإصرارِ المُلِحِّ على رحيلِ الطيبين، والذين لا يمكنُنا أن نتصوَّرَ حيواتِنا بدونِهم؟
لماذا تَرْمي الأرضُ فِلْذاتِ أكبادِها بكلِّ هذا العُنفوانِ، أَمِنْ غضبٍ علينا نحن؟ أم مِنْ رغبةٍ في ألَّا يرَوْا ما للويْلاتِ من أيام؟!.
كانت هذه الصدمةَ الأولى التي تناقلَها هذا الجيلُ حينما سمِعَ خبرَ وفاةِ العرَّابِ، أحمد خالد توفيق، ومن ثَمَّ، اتَّحَدَتْ مشاعرُ الملايينِ صُعودًا وهُبوطًا في اندماجٍ عجيبٍ غيْرِ مشهودٍ، وكانت الجِنازةُ مهيبةً في قلوبِنا قبْلَ أن تكونَ كذلك على أعتابِ بابِ مدفَنِه في طنطا، حيثُ كتبَ مئاتِ المقالاتِ، طنطا، التي تجدُها بيْنَ ثنايا مقالاتِه، وأغلفةِ كُتُبِه، وبيْنَ سُطورِ رواياتِه.. إنْ ذَكرَها اسمًا وإن لم يفعلْ، كان يحاولُ تقريبَ طنطا إلى جيلٍ بأسْرِه، ربما تسهيلًا لذلك الطريقِ الذي سيقطعُه الآلافُ يومَ الثاني من إبريلَ عامَ ألفينِ وثمانيةَ عشَرَ تأبينًا لرحيلِ جسدِه الذي لم يَعُدْ بينَنا، وإنْ هَفَتْ رُوحُه فوقَ كلِّ حادثٍ بمواكبةٍ مذهلةٍ، ساخرةٍ تارَةً، وغيْرِ آبهةٍ أخرى، ومتوقِّعَةٍ كلَّ ما يحدثُ لهذا الجيلِ بتوافُقٍ أقلُّ ما يُوصَفُ به، أنه عجيب.
بعْدَ الصدمةِ الأولى، لم يجِدْ كلُّ من عرَفَ العرَّابَ يوْمًا طريقةً أجدى من مراجعةِ كلِّ ما كَتَبَ.
هذا الجيلُ الشَّرِسُ والشَّرِهُ لكلِّ ما كان العرَّابُ يكتبُه في حياتِه، تضاعَفَتْ شراستُه وتعاظَمَ نَهَمُه لكلِّ ما أَنْتجَه خلالَ الأيامِ التي تلَتْ رحيلَه، وكما كان مُذهلًا حيًّا، لم يتوقفْ عن فعْلِ ذلك ميِّتًا.
كيف وجَدْنا بكلِّ تلكَ الدِّقَّةِ وصْفَه لنفْسِه إبَّانَ موتِه!، وكيف تحقَّقَتْ وتتحققُ وستتحققُ مضامينُ كَتَبَها أدبًا، فإذا بها واقعٌ مَعِيشٌ لا فِكاكَ من تفاصيلِه.
ثم كانت مرحلةٌ ثالثةٌ بعْدَ الصدمةِ والمراجعةِ، حينَ تلمَّسَ الجيلُ قلْبَه، كلُّ واحدٍ في مكانِه، غيْرَ مدركٍ كَمَّ الفَقْدِ والوجَعِ الذي يطويه صدرُه، ولا يطويه في آنٍ، وجعٍ متعاظمٍ يَزيدُ كلَّ يومٍ، ولا يجسُرُ أحدٌ أن يقولَ إن جراحاتِ ذلك الوجعِ قد انفثَأَتْ إلى الآن.
لقد كان العرابُ في حياتِه شفاءً (ربما).. جرْسَ إنذارٍ (جائزْ).. ضَحْكةً وسْطَ الغَمِّ (قطعًا).. فخرًا وسْطَ دَفْنِ الرُّؤوسِ (مؤكد).. نورًا وسْطَ العَتَمَةِ (لا فِكاك).. لكنَّه حينَ مات، كان وجعًا خالصًا سخينًا دفينًا، وكلُّ ذكرى تركَتْها كلمةٌ من كلماتِه، استحالَتْ وجَعَ جُرْحٍ في ملايينِ القُلوبِ، لم ولن يندمل.

العراب| الجرح

النص لـ: أحمد مجدي
بصوت الراوي: مازن سلام
مراقبة لغوية: عبدالفتاح نوح
هندسة صوتية: أحمد مجدي

العراب - اللقب
ولأنَّ للألقابِ من معادنِ العظماءِ نصيبًا، كان لا بدَّ أن يرتبطَ اسمُ الدكتورِ أحمد خالد توفيق، بلقبٍ ما، لقبٍ يختزلُ كلَّ ما يَعْنيه في نُفوسِ قرائِه ومحبيه.
لم يجتمعْ هذا الجيلُ على لقبٍ واحدٍ لأيٍّ من رُموزِه في حالاتٍ كثيرةٍ، ولكنَّ الدكتورَ أحمد خالد توفيق، أسَرَ الجميعَ بلقبِ العرابِ، هذا اللقبِ الذي انتفى عن كلِّ من سَبَق نعْتُه به، وصار لِزامًا قبْلَ اسمِه، كان كذلك حيًّا، وتعاظمَ بعْدَ رحيلِه.
فلِمَ العراب؟ 
كما يَعْلَمُ الكثيرُ، فالعرابُ ترجمةٌ مؤديةٌ لمعنى "الأَبِ الرُّوحيِّ" المقتبسِ عن كلمةِ god father الإنجليزيةِ، لا يستطيعُ كاتبٌ –فقط- ربما أن يحظى بذلك اللقبِ اتفاقًا بيْنَ جمهورِه، ذلك اللقبِ الذي لا يُتَوِّجُ الدكتورَ، أكثرَ مما يصِفُ حالتَه في قلوبِنا.
كان العرابُ بوابتَنا على عوالمَ أخرى، واللافتُ أنه لم يكُنْ سِوى بوابتِنا إلى الواقعِ، ذلك الواقعِ الذي يَصِلُ إليْنا دائمًا مُحَمَّلاً بما ليسَ فيه، معه فقط كان يُمكِنُنا أن نجدَ أنفُسَنا في "أغيارِ يوتوبيا"، ومع غموضِ عفافَ، إذْ كتبَتْ كَلِمَتَها المجهولةَ على "حائطِ السِّنْجة"، نَظَرْنا للمختفين كما لو كانوا كلُّهم "عصامًا"، وترجماتُنا للواقعِ لم تكُنْ إلَّا من خيالاتِ رفعتْ إسماعيل!.
حتى إنْ بَدَا "ما وراءَ طبيعتِه" خياليًا غارقًا في الحُلْمِ، فالدكتورُ –حتى في خيالاتِه- كان الطبيعةَ ذاتَها، وخيالُه كان خيالَ الطبيعةِ، الذي يرفضُ الانسياقَ والتكبيلَ، فلا شيْءَ يُعرْقِلُ قلمَه إنْ أتَتْ فكرتُه.
وفي الوقتِ ذاتِه، وفي زمنٍ لم يَعُدْ فيه مكانٌ إلَّا لِمَا لا قِبَلَ بِتَصْدِيقِه، كانَ بسيطًا، حقيقيًّا، واقعيًّا؛ ولذا كانَ بطلَ هذا الجيلِ، البطلَ الذي يُشبِهُهم ويُواكِبُهم، كانَ بَطَلًا لجيلٍ أدمنَ كُرْهَ الكَذِبِ، وَظَلَّ حَرِيصًا على الصِّدْقِ، حتى إن كانَ مُفْتَقِرًا للحِكْمَةِ، وَإِنْ أَوْرَدَهُ مَوَارِدَ الهَلَاك.. كان عَرَّابَ هذا الجيلْ.
اللافتُ في الأمرِ، أنَّ الدكتورَ أحمد خالد توفيق كان لا يُفَضِّلُ هذا اللقَبَ الذي اتفقَ عليه هذا الجيل، كان يقولُ إنَّه مُجَرَّدُ خُطْوَةٍ على بِدَايةِ طَرِيقٍ طَويلٍ، وكانَ حَرِيصًا على أن يَدُلَّ كَلَّ مُرِيديهِ عَلَى هذا الطريقْ، وَلِذا؛ كانَ الشبابُ مِنْ خِلالِ ما كَتَبَهُ يَتَعَلَّمونَ طريقةَ تفكيرٍ مختلفةً في شُؤونِ حَيَوَاتِهم، وفي الوقتِ ذاتِه، كان أحمد خالد توفيق بابًا رئيسًا ومدخلًا على الأدبِ العالميِّ كُلِّهِ بالنسبةِ لَهم.
لم يكُنِ الدكتورُ أحمد خالد توفيق يُفَضِّلُ هذا اللَقَبَ، لأنه كان يرى أن دَوْرَهُ لا يَكَادُ يُرَى، وأنه لا يملِكُ هذا الحجمَ من التأثيرِ، وذلكَ ديْدَنُ الصادقين دائمًا، لا يرَوْنَ ما يراه غيْرُهم، بل يُصِرُّونَ على عَدَمِ وُجُودِهِ مُقْسِمِين بأغلظِ الأَيْمان.
لكنَّ مواضعَ الجُرْحِ في قلوبِنا، تلكَ التي تَحَسَّسْناها وَسَنَظَلُّ نَتَحَسَّسُها حينَما يأتي إبريلُ مِنْ كُلِّ عامٍ، تَشْهَدُ للدكتورِ أحمد خالد توفيق، أنَّ وَجَعًا كذلكَ الذي يَسْكُنُنا، لا يأتي إلا لفِقْدانِ عرابٍ حقيقيّ!.

العراب| اللقب

النص لـ: أحمد مجدي
بصوت الراوي: مازن سلام
مراقبة لغوية: أحمد مجدي
هندسة صوتية: أحمد مجدي

العراب| الاستشراف

النص لـ: أحمد مجدي
بصوت الراوي: مازن سلام
مراقبة لغوية: أحمد مجدي
هندسة صوتية: أحمد مجدي

العراب - الطب
ولأنَّ لكلِ أدبٍ حيٍ صادقٍ بواعث، فقد كان باعثُ أدبِ الدكتور أحمد خالد توفيق، الحياة، اختزلَ ذاتَ حديثٍ خلاصةَ تلك البواعثِ في الطبّ.
قال إن الطبَ يعطي تجربةَ رهيبةً لا تُضاهَى للإنسان، قال إنه لا أحدَ يمرُّ بالحياةِ والموتِ بكل انفعالاتِهما مثلَ الطبيب، ذَهَبَ إلى أبعدَ من ذلك حين قال إن الطبيبَ لا بد أن يكتبَ لا محالة!.
تحدثَ مرةً عن أن الطبَّ يعني بالنسبة له لحظاتِ القوةِ والضعف، لجوءَ القوي المسؤول ذي المنصب حين يكون على سريرِ المرضِ إلى إنسانٍ، لا شيءَ سوى إنسان، لابد أن يتحرك بداخل الطبيب ما لا يتحرك داخلَ غيره حينئذ، لذا كان يرى أن الطبيبَ لابد أن يكون كاتبًا بالضرورة.
كان يرى أن الطبَّ والأدبَ موضوعُهما الإنسان، وأن اللحظاتِ الحميمةَ التي يتعرض لها الطبيبُ تُحَرِّكُ داخل الكاتبِ ما لا يمكن أن يتجاهَلَه قَلَمُه.
لن نستطيعَ أن نَصِفَ الطبَّ في حياةِ الأديبِ الطبيبِ أحمد خالد توفيق بأنه شيءٌ بين السطورِ يَمْكِنُنا تَفَقُّدُه أو البحثٌ عَنْه، الأمرُ أَوْسَعُ من ذلك بكثير، إن الطبَ كان عنصرًا أصيلًا لا يمكن أن يُقرأَ عملٌ للعرابِ دون أن يتضمنَه.
تَجِدُهُ يَصِفُ الموتَ والحياةَ وَحِيَلَ الخلاصِ مِنْهُمَا بمنتهى الدقةِ في أعمالَه، يعرضُ لك الموضوع الطبي الذي تحسبه صعبًا متخصصًا في معنى واحد يجعلكَ تَحارُ في كيفيةِ تبسيط هذا الرجل أمورا كتلك للقارئ العام.
إلا أن المِساحةَ الأكبرَ للطبِّ بين أعمالِه، كانت في المقالات، حين كانَ يحكي كثيرًا عن آلامِ المرضى، ولحظاتِ الحياةِ التي تَدُبُّ في أوصالِهم من مواتٍ بمنتهى الشغف، كان يُشعر القارئَ أنه هو المريض، والمَشْفِيَّ، يُقَدِّسُ وَفَاءَ الأطباءِ لِعَملِهم، ولا تمر عليه تِجَارِبُهم مُرورَ الكرامِ أبدًا، ويتناول الطب من كل الزوايا، بكل دقائقِ لحظاتِه، بكل الأفراحِ والأحزانِ والسخريةِ والجدِ والترقبِ والذهولِ والانتظارِ والتعجل.
كان يراقبٌ حياةَ الطبيبِ كما لو لم يكن هو نفسُه طبيبًا، يُحَلِلُه ويستنبطُ أوجاعَه، ويجعلُه مضمونَ أدبِه وكتاباتِه، كان يراه جديرًا بالدرسِ، حياةُ أولئكَ الواهبين حيواتهم للناس كانت شغلًا شاغلًا، لم ينسَ ياسر الجندي، ذلك الطبيبَ الذي رَهْبَنَهُ الطبُّ فَهُوَ عاكفٌ في المستشفيات لا يبرح، كتب عنه واحدًا من أجمل مقالاته "ياسر وبطاطا وأشياء أخرى" كان يرى في الدكتور ياسر الجندي "مصرَ الطيبة السمراء التي لم تمُتْ وتُصِرُّ على الحياةِ بإصرارٍ غريبٍ برغمِ كل ما يحدثُ لها".
كان إنسانًا بكل ما للإنسانيةِ من معنى، ولذا كان أديبُه منبعثًا من طبيبِه، وطبيبُه منبعثًا من أديبِه، وكلاهما منبعثٌ من الإنسانْ.

العراب| الطب

العراب - الطرافة
نص لـ:أحمد مجدي
هندسة صوتية: أحمد مجدي
تدقيق لغوي: أحمد مجدي
بصوت الراوي: مازن سلام

العراب| الطرافة

نص لـ:أحمد مجدي
هندسة صوتية: أحمد مجدي
تدقيق لغوي: أحمد مجدي
بصوت الراوي: مازن سلام

الحلقة الأخيرة من برنامج العراب

العراب| رواة

رُواة: منصة للإبداع الصوتي العربي، تنشد الشعر، وتحكي الأدب، وتُذيع المقالات، وتقرأ اقتباسات الكتب. تتحرى إتقان اللغة، وحُسن الصوت، ودقة الأداء. تبتغي إطراب الأسماع وتهذيب الألسن وإثراء المحتوى العربي الصوتي الراقي.
رواة: دندنات عربية

:فريق العمل

الشريك المؤسس: أحمد أبو خليل

المدير التنفيذي + الشريك المؤسس: معتز صقر

مسؤول الإعلام والتسويق: إبراهيم يوسف

سوشيال ميديا: يسرا عادل

تصميمات: علي قدوس

هندسة الصوت: أسماء راشد

:فريق التعليق الصوتي
معتز صقر - إسلام عادل - زينب سليم - أيمن مسعود - أحمد مجدي - أسامة عبد الغني - فاطمة غراب - ريم صقر - طاهرة طارق - علاء عمري - أروى عثمان - معاذ صلاح الدين - سامي العربي - إيمان طه  - محمد توفيق - مازن سلام - سلمى عزت - سارة عبد الجليل - عبد الله عويس - عبد الرحمن المكي - أسماء خليفة - شريف عزت - عبد الرحمن الدسوقي - أسماء الرافعي - مصطفى لولح - أحمد أبو النصر - أسماء يسري - إكرام الأنصاري - مي المتولي - عبد الرحمن عبيد - أحمد زين - رهام حمدي - غادة الخولي - عمر عبد المقصود - أحمد عادل - إسراء جلبط - الفضل عثمان - سهير خميس