يا أمي الحنون، خاطري مكتئب وحزين عند التفكير بك. فلا أدري كيف، لكن أشعر بأنك لست بخير. وددت لو كنت بجانبك الآن لأناولك كوب ماء. فتلك السنوات التي قضيتها في خدمة الناس لم تجلب لي سوى الإهانة والاذلال. هذا الصباح استيقظت باكرًا، قبل طلوع الفجر مباشرة، إذ سمعت شيئًا أسمعه في أحلامي منذ حين. سمعت هذا الصوت المرتجل بالنشيد الأنيق أو النواح أو حتى الدعاء باللسان العربي. وعندما استفقت أدركت أن هذا الصوت يتردد من كل حدب وصوب، ولم أستطع تعيين مصدره. أخشى أني أتخبط وسأضل عقلي 
	عدت أفكر بك يا أمي مرةً أخرى، ومجددًا رعاني الشجن والحزن. سأباشر تنفيذ تجربتي العامة كاملة بأسرع ما يمكن.لابد أن أرجع إلى وطني، إليك يا أمي. ولقد تيقنت أنك لست على مايرام، لسماعي مجددًا لصوت النواح، إلا أنني هذه المرة كنت يقظًا تمامًا. ولم أزل أحس بحواسي سليمة قد عزمت أن أهدي البشرية ما تستحق، وأرجع إلى أوروبا، إليك يا أمي. فالحكومات هاهنا كحكومات وطني. وأدركت خلاصة الأمر أن البشرية مرهونة بالأنظمة، وليس بإمكان الفرد إصلاح العالم بمفرده. غير أن ذلك الصوت الغريب لا يزال يقض مضجعي. وأعلم أنه متصل بك، بتجربتي، بشيء إلهي.
	عندما نجحت تجربتي أمام الملأ, لم أعبأ على الإطلاق برد فعلهم. غادرت الحجرة حالًا، إذ لم أفعل ذلك لأجلهم بل للإنسانية. وفي تلك اللحظة بالذات، عندما تأملت المصباح الكهربائي يضيء بالكهرباء اللاسلكية، أدركت أنني لم أكن صانع كل ذلك. وأحسست أن شخصًا أو شيئًا ما كان يحمله من شلالات نياجرا إلى قاعة الكونجرس، وأن القانون الذي ظننت أني "اخترعته" كان موجودًا دائمًا. فلم أكن سوى وعاء ينعم بالإلهام لصياغته وشرحه للناس. وعِوض عن شعور النصر والسرور، بدا نوع من الحزن الفارغ. وأدركت أنني فوتُّ شيئًا عظيمًا في حياتي. كأنما تركت أمرًا مجهولاً تمامًا. وكانت بعض الصيغ في متناول فهمي، ولكن فشلت أو لم أرغب في إيضاحها. لا بد أن ذلك مرتبط بتلك النواح العربي، فأنا موقن بذلك الآن
	لن تبلغك هذه الرسالة أبدًا يا أمي. ولست أدري لماذا أكتبها لك وأنت لا تقدرين قراءتها... أفارقك بسلام يا أمي، وأسأل عفوك على اختياري السُبل التي أبعدتني عنك. إذ لا أستطيع حتى أن أشهد مراسم جنازتك. وقد قرأت البرقية المبلغة بوفاتك، وأحتقر الناس الذين لم يكونوا مستعدين منذ عامين لتفهم نقل الكهرباء بغير أسلاك. والآن قد شاهدوه، لكنهم لن يستخدموه في قرون آتية؛ فقد أحرق أحدهم مختبري في وسط المدينة وهدمه حتى التراب يما فيه من صيغ وكتابات. إنهم يشتبهون بالسيد إديسون.
	ولقد أمسيت غير مبال جدًا؛ حتى كدت لا أتعرف على نفسي. ولعلني كنت سأحزن سابقًا، غير أنني لست كذلك الآن؛ إذ أنا واثق أن هناك مَن يتحكم في براءات اختراعي، وأن اكتشافي ليس "اكتشافي" تمامًا، وأخيرًا أن البشرية لم تكن مستعدة له. وأعلم أن هناك مَن يُشرف على كل شيء، وله خطة خاصة به؛ ولعل هذا هو سبب لا مبالاتي هذه
	سأضع رسالتي على ضريحك عند وصولي إلى مقبرة قريتنا. لقد آمنت بما لم أكن مؤمنًا به من قبل. أؤمن أنني ما أزال جزءًا منك، وأن حياتي لم تنته إلى الأبد. أنا آسف الآن لأنني تجنبت الأتراك بسبب نوحهم المماثل الذي سمعته قبل الفجر. أدرك الآن أنهم كانوا يعرفون هذه الأمور أكثر بكثير مما كنت أعرفه في أي وقت مضى. تلك السنوات التي قضيتها في العلم ذهبت هباءً. من فضلك يا أمي، تضرعي من أجلي هناك إذا أمكن، وانشدي النوح العربي لروح ابنك البائس الجاهل

امي الحنون - رسالة نيكولا تسلا الأخيرة

https://t.me/+Q4lkW1NgPNI3Zjg0 قناة الالقاء تلقرام

امي الحنون - رسالة نيكولا تسلا الأخيرة

دُعزي