خَلفَ شُرفَتَيِّ المَاضِي وَالحَاضِرِ، أَقِفُ أَنَا..
يَطِلُّ عَلَيَّ هَزِيمِي السَّابِقِ مِن شُرفَةٍ، وَأَطِلُّ أَنَا عَلَيكَ مِنَ الأُخرَى؛
أَكبَحُ زِمَامَ جُفُونٍ لَو تَرَكتُ لَهَا المَقَالِيدَ لَصَارَتِ الأَرضُ مِن تَحتِيَ مَذبَحَةَ دُمُوع!

تَغلِبُنِي عَينِي مَرَّةً..
فَتُنصِفُ حَنِينِيَ، وَأَغلِبُهَا مَرَّةً.. 
فَيَنهَزِمُ قَلبِي؛

تَارَّةً تَهوَي عَبرَةٌ، وَتَارَّةً تَهوَي رُوحِي، وَتَارَّةً يَهوَي السُّؤَالُ "أَلَم يَكُن مِنَ المُفتَرَضِ أَن نَعبُرَ كُلَّ هَذَا سَوِيًا؟" 
فَأَهوَى أَنَا إِثرَهُ. 

كَانَ عَهدُنَا فِي الدَّربِ أَن نَمضِيَهُ سَوِيًا، فَمَا بَالِي أَقِفُ عَلَى نَاصِيَةِ فِرَاقٍ لَا أَقتَفِي لِأَقدَامِكَ أَثَرًا فِي مَوضِعِ خُطوَة! 
مَنْ مِنَّا فَتَحَ لِلفُرقَةِ بَابًا فَأَطَاحَت بِنَا أَعَاصِيرُ الأَقدَار؟..

 كَرَّرتُ مَشهَدَ فِرَاقِنَا فِي ذِهنِيَ مَائَةَ مَرَّةٍ، مَائَةَ مَرَّة.. 
وَلَم أَعرِف أَينَ كَانَت الثَّغرَة! 

رَسَمتُ فِي مُخَيِّلَتِي آلَافَ السِّينَاريُوهَاتِ المُختَلِفَةِ التِي يُمكِنُ أَنَّهَا كَانَت سَبَبًا لِنَفتَرِقَ، وَلَم تَكُن إِحدَاهَا مَنطِقِيَّةً قَط! 

لَا زِلتُ أَذكُرُ لَمَّا تَعَثَّرتُ بِقَلبِكَ ذَاتَ هَاوِيَةٍ، كُنتَ عَلَى شَفَا وَهَنٍ مِنَ المَوتِ، وَكُنتُ عَلَى شَفَا نَظرَةٍ مِنَ الوُقُوعِ فِي حُبِّكَ! 

وَلَمَّا حَدَثَ وَأَدَرتَ لِي عَينَيكَ..
التَقَفتُ مِنهَا يَأسًا وَدَثَّرتُ رُوحَكَ بِعَينَيَّ، ثُمَّ اندَثَرتُ أَنَا طَيَّ قَلبِك..
لَم أُحِط عِلمًا بِأَنَّ أَورَاقَ قَلبِكَ بَالِيَةٌ، وَكُتِبَ عَلَيَّ فِيهَا هَلَاكًا مَا لِرُوحِيَ بَعدَهُ حَيَاة!

تجرَّدَتْ مِنِّي الحَيَاةُ لَمَّا جَرَّدتَنِي مِنكَ، وَأَبصَرتُ كُفُوفَ يَدَيكَ مُلَطَّخَةً بِشَظَاَيا رُوحِي دَاخِلَهَا، انكَسَرَ دَاخِلِي قَلبٌ، دُونَ مَجَازٍ أَو استَعَارَاتٍ، فَفَقدِي أَكبَرُ مِن أَن تُوَارِيهِ كِنَايَة!

لَم أُبصِرْ فِي رُوحِكَ سِوَى الجَمَالَ بِعَينِ نَفسِي، وَأَرَيتُكَ فِي نَفسِكَ جَمَالاً لَم تَكُن لِتَرَاهُ بِغَيرِ عَينِي، فَأَرَيتَنِي فِي نَفسِيَ سُوءً لَم أَرَهُ بِغَيرِ عَينِكَ، ثُمَّ فَقَدَ نَاظِرِي رُؤيَةَ الجَمَالِ فِي العَالَمِ وَفِيَّ، فَوَجَدتُ نَفسِيَ أَضَعتُ نَفسِي! 
أَهَكَذَا رَدَدتَ الجَمِيلَ؟..

يُرَدِّدُ صَوتِيَ مُتَأَثِّرًا :
"لَا أُبصِرُ سِوَى الخَيرَ فِي الأَشيَاءِ
لَا أُبصِرُ خَيرًا فِي الأَشيَاءِ 
لَا أُبصِرُ الأَشيَاءَ 
لَا أُبصِر!"

وَيُكَرِّرُ .. 
"لَا أُبصِرُ سِوَى الخَيرَ فِي الأَشيَاءِ
لَا أُبصِرُ خَيرًا فِي الأَشيَاءِ 
لَا أُبصِرُ الأَشيَاءَ 
لَا أُبصِر!"


فَلَا أَسمَعُ فِي الثَّالِثَةِ لِصَوتِيَ صَدًى، 
بَل تَصدُو خَلفِيَ الخَيبَةُ وَيَسُودُ بَعدَهَا صَمتٌ.. 
"لَا تُبصِرُ سِوَى الخَيرَ فِي الأَشيَاءِ
لَا تُبصِرُ خَيرًا فِي الأَشيَاءِ
لَا تُبصِرُ الأَشيَاءَ
لَا تُبصِر..
تُبصِرُكَ خَيبَة!" 

فَتَلُومُنِي الخَيبَةُ، وَتَهزَأُ بِي بَصِيرَتِي، وَتَهزَأُ بِي خَيبَاتِي، وَيَهزَأُ بِيَ المَاضِي وَالحَاضِرُ وَالشُّرفَةُ الَّتِي أَطِلُّ مِنهَا عَلَيكَ!
حَتَّى قَلبِي!
حَتَّى قَلبِيَ يَشمَتُ بِي وَالخَطَأُ خَطَأُه!
مَنْ هُو رَبُّ المِيزَانِ ليَقلِبَ هَكَذَا القَدَر!.. 

لَطَالَمَا شَهِدَتْ شُرفَتِي كُلَّ انطِلَاقَةٍ مِنِّي نَحوَ العَالَمِ، وَلَطَالَمَا غَمَرَهَا نَسِيمٌ إِثرَ رَفرَفَةِ أَجنِحَتِي، وَالآنَ.. وَلِأَنَّكَ كُنتَ أَضعَفُ مِن أَن تَترُكَ لِتَخَلِّيكَ مُبَرِّرًا، سَأُشهِدُهَا سُؤَالاً تَتلُوَهُ عَلَيكَ، مِن ثُمَّ المَوت.. 

"أَعطَيتُ قَلبَكَ أَجنِحَةً وَقَد كَانَ أَبتَرَ القَدَمَينِ لَا يَقوَى عَلَى الخُطَا فِي دُرُوبِ الحُبِّ، فَبِأَيِّ ضَمِيرٍ خَذَلت؟" ..

#روان_عبدالواحد
إلقاء: هاجر عبدالمنعم
هندسة صوتية: علي عسكر

كان اسمها (مريم)وليد عمر

Waleed Omar

Recent comments

Mohamed Gamal Zizo

Related tracks