د.أحمد خالد توفيق 📝

أداء الصوت: معتز صقر

http://ida2at.com/dont-get-very-excited/

لا تتحمّس جدًا - أحمد خالد توفيق

المتأخرون - أحمد خالد توفيق

بصوت الراوي : محمد توفيق.. من كتاب :ما وراء الطبيعة

إنه الخريف - أحمد خالد توفيق

عامر صديقي – الاسم مستعار طبعًا –  كان يملك تلك الطلعة الوقور الموحية بالثقة. حتى ونحن طلاب كان مهيبًا له نظرة هادئة راضية تشع بالحكمة وفهم الكون. لا أعتقد أنني رأيته في أي لحظة من حياتي من دون شعر شائب، خاصة شعر الفودين الذي يذكرك بشيب «جمال عبد الناصر».  لابد أنه ولد شائب الشعر. بينما كنا نحن الصبية المراهقين نبدو كذلك بالضبط: صبية مراهقون شديدو الخفة والسخف.

مقال تشر على موقع إضاءات عبر : 
https://goo.gl/1vByfh
________________________________________________________________
بصوت الراوية: إيمان طه
مراقبة لغوية: محمود سلام أبو مالك
هندسة صوتية: أسماء راشد

تأثير الهالة - أحمد خالد توفيق

بصوت الراوي: محمد توفيق
هندسة صوتية: أسماء راشد

أخبار العمدة - أحمد خالد توفيق

نحنُ نترك أشياء جميلة فعلًا في حاضرنا تفْلت, ونبكي بلا توقف على ماضٍ لن يعود.. ثم نفطن إلى أن حاضرنا صار ماضيًا فنعود للصراخ والبكاء. إنّ هواية البُكاء على الأطلال ليستْ مَقْصُورة على أجدادنا فقط.. كلنا نبكي على الأطلال, لكنّنا لا ننْعم لحظة واحدة بما نعيش فيهِ من بيوت.. لابد أن تتهدّم أولًا لِنُدرك أنّها رائعة. فقط للماضي مزية واحدة.. هي أنه صار ماضيًا لهذا نشعر بالحنين له, بينما الحاضر موجود في كل مكان وفي كل لحظة لهذا نَزهَدُه.


بصوت الراوية: رهام حمدي زيدان
هندسة صوتية: ضحى سليم

البكاء على الأطلال - أحمد خالد توفيق

مستشفى الشفاء هو مستشفى مهم جدًا في طنطا.. الاسم زائف طبعًا، لكنهم يعتبرونه عروس الصحة.. إمكانات لا بأس بها، وطاقم أطباء جيد. هذه قصة حقيقية طبعًا.

مقال نشر على موقع إضاءات 

https://www.ida2at.com/take-this-body/


بصوت الراوية: إيمان طه
هندسة صوتية: ضحى سليم

خذوها أنتم- أحمد خالد توفيق

بصوت الراوي: محمود سلام أبو مالك
هندسة صوتية: ضحى سليم 

يمكن للنشاط السكاني أن يعطيك صورة كاملة عن اقتصاد مجتمع معين ومستقبله وتعليمه والتغيرات التي طرأت عليه.

بالنسبة للكسب، لاحظ أحد أصدقائي الأذكياء أن التجارات الناجحة في مصر هي التي تتعلق بفتحات الجسد! العين ليست فتحة جسد فلا تتوقع أن تصير ثريًا من القراءة أوالكتابة يا صاحبي. فتحة الأنف: لهذا تروج صناعة العطور ويكدس تجار الحشيش والكوكايين والسجائر الملايين. فتحة الشرج: السباكون وتجار الأدوات الصحية وجراحو البواسير. فتحة المهبل: ازدهار مهنة طب النساء والتوليد وطبعًا الدعارة وشبكات اللحم الأبيض. فتحة الإحليل: الثراء لأطباء المسالك البولية. فتحة الأذنين: هذا معناه الثراء لتجار الأغاني الملوثة وسادة موسيقى المهرجانات. ملوك الفوضى السمعية الرهيبة التي تحاصرنا. فتحة الفم: لا شك أن المطاعم تربح جيدًا جدًا . الناس لن تتوقف عن الأكل أبدًا.

مقال نشر على موقع إضاءات
عبر https://www.ida2at.com/new-activities/

نشاطات جديدة - أحمد خالد توفيق

بصوت الراوي: محمد توفيق
هندسة صوتية: أسماء راشد

أعتقد أن النساء أقوى أعصاباً من الرجال وأشد بأساً. هذه حقيقة يحاول الرجال تجاهلها، لكنها تطفو على السطح بلا توقف، وقد رأيت مشاجرات كثيرة، يكون فيها الرجال أقرب إلى التسامح والهدوء، لكن النساء هن من يشعلن الموقف.. يقمن بالتسخين بطريقة (كيف تسمح له بأن يقول كذا؟) أو تشتم الطرف الآخر فيشتمها .. هكذا تشتعل دماء زوجها، وهكذا تقف المرأة تراقب في استمتاع الدماء وهي تتطاير، ولا بأس بصرخة هستيرية من حين لآخر حتى لا ننسى أنها أنثى رقيقة ..

مسألة أعصاب - أحمد خالد توفيق

بصوت الراوي: معتز صقر
هندسة صوتية: أسماء راشد


ثمة ملحوظة قالتها لي زميلة فاضلة في العمل: الاحتفال بعيد الأم شيء جميل، ولكن لابد من مراعاة مشاعر الأطفال الذين فقدوا أمهاتهم، عندما يدور حولهم هذا الاحتفال الصاخب بعيد الأم. أغنية ست الحبايب وماما يا حلوة .. والإعلانات المحمومة عن هدايا عيد الأم. توفيت أمي – كاتب المقال – وأنا في السادسة عشرة من عمري، فكنت كبير السن نسبيًا، لكني لم أكف عن تخيل شعوري لو كنت في السابعة من العمر. قالت الزميلة: أتمنى كذلك أن يسيطر الإعلام على الاستعمال المفرط للفظة (أيتام).. ما شعور الطفل اليتيم الذي يدرك أنه يتيم فعلاً؟. لربما أمكن استعمال لفظة أخرى كما تعود المجتمع استعمال تعبيري (أصحاب البصيرة) و(ذوو الاحتياجات الخاصة) للدلالة على المكفوفين والمعوقين بالترتيب.

أب وأم  - أحمد خالد توفيق

النص لـ: أحمد مجدي
بصوت الراوي: مازن سلام
مراقبة لغوية: عبدالفتاح نوح
هندسة صوتية: أحمد مجدي

لأنَّ لحظاتِ الحزنِ هي الأكثرُ جلالًا وتذكُّرًا، ولأنَّ ما تجترُّه لا يكونُ سِوى الصدقِ الذي لا مِراءَ فيه، ولأنَّ بها تستبينُ كلُّ المعادنِ، معادنِ الحَزانَى، والمحزونِ على فِراقِهم، كانت لحظةُ حُزْنِ جيلٍ بأكملِه على فِراقِ الدكتورِ أحمد خالد توفيق، عرَّابِ هذا الجيلِ، وبطلِه الحقيقيِّ، الواقعيِّ، الذي لا لَبْسَ في انتمائِه رُوحًا وجسدًا وحِسًّا وخيالًا وواقعًا ونُكتةً وهزْلًا وجِدًّا وتفاؤلًا وتشاؤمًا، إلى هذا الجيلِ الذي نعاه أيَّما نعْيٍ، وأَجْزَلَ الدُّموعَ مِدرارًا على بابِ قبْرِه، فكأنما بُعِثَ حيًّا من جديدٍ في الثاني من إبريلَ عامَ ألفين وثمانيةَ عشَرَ، لا فارقَنا وفارقْناه، وفارقَ الحياة.
الأمرُ بدا كما لو كان زلزالًا ضربَ مِصْرَ والوطنَ العربيَّ، زلزالًا ترك الكُلَّ مشدوهًا، لماذا كلُّ هذا الإصرارِ المُلِحِّ على رحيلِ الطيبين، والذين لا يمكنُنا أن نتصوَّرَ حيواتِنا بدونِهم؟
لماذا تَرْمي الأرضُ فِلْذاتِ أكبادِها بكلِّ هذا العُنفوانِ، أَمِنْ غضبٍ علينا نحن؟ أم مِنْ رغبةٍ في ألَّا يرَوْا ما للويْلاتِ من أيام؟!.
كانت هذه الصدمةَ الأولى التي تناقلَها هذا الجيلُ حينما سمِعَ خبرَ وفاةِ العرَّابِ، أحمد خالد توفيق، ومن ثَمَّ، اتَّحَدَتْ مشاعرُ الملايينِ صُعودًا وهُبوطًا في اندماجٍ عجيبٍ غيْرِ مشهودٍ، وكانت الجِنازةُ مهيبةً في قلوبِنا قبْلَ أن تكونَ كذلك على أعتابِ بابِ مدفَنِه في طنطا، حيثُ كتبَ مئاتِ المقالاتِ، طنطا، التي تجدُها بيْنَ ثنايا مقالاتِه، وأغلفةِ كُتُبِه، وبيْنَ سُطورِ رواياتِه.. إنْ ذَكرَها اسمًا وإن لم يفعلْ، كان يحاولُ تقريبَ طنطا إلى جيلٍ بأسْرِه، ربما تسهيلًا لذلك الطريقِ الذي سيقطعُه الآلافُ يومَ الثاني من إبريلَ عامَ ألفينِ وثمانيةَ عشَرَ تأبينًا لرحيلِ جسدِه الذي لم يَعُدْ بينَنا، وإنْ هَفَتْ رُوحُه فوقَ كلِّ حادثٍ بمواكبةٍ مذهلةٍ، ساخرةٍ تارَةً، وغيْرِ آبهةٍ أخرى، ومتوقِّعَةٍ كلَّ ما يحدثُ لهذا الجيلِ بتوافُقٍ أقلُّ ما يُوصَفُ به، أنه عجيب.
بعْدَ الصدمةِ الأولى، لم يجِدْ كلُّ من عرَفَ العرَّابَ يوْمًا طريقةً أجدى من مراجعةِ كلِّ ما كَتَبَ.
هذا الجيلُ الشَّرِسُ والشَّرِهُ لكلِّ ما كان العرَّابُ يكتبُه في حياتِه، تضاعَفَتْ شراستُه وتعاظَمَ نَهَمُه لكلِّ ما أَنْتجَه خلالَ الأيامِ التي تلَتْ رحيلَه، وكما كان مُذهلًا حيًّا، لم يتوقفْ عن فعْلِ ذلك ميِّتًا.
كيف وجَدْنا بكلِّ تلكَ الدِّقَّةِ وصْفَه لنفْسِه إبَّانَ موتِه!، وكيف تحقَّقَتْ وتتحققُ وستتحققُ مضامينُ كَتَبَها أدبًا، فإذا بها واقعٌ مَعِيشٌ لا فِكاكَ من تفاصيلِه.
ثم كانت مرحلةٌ ثالثةٌ بعْدَ الصدمةِ والمراجعةِ، حينَ تلمَّسَ الجيلُ قلْبَه، كلُّ واحدٍ في مكانِه، غيْرَ مدركٍ كَمَّ الفَقْدِ والوجَعِ الذي يطويه صدرُه، ولا يطويه في آنٍ، وجعٍ متعاظمٍ يَزيدُ كلَّ يومٍ، ولا يجسُرُ أحدٌ أن يقولَ إن جراحاتِ ذلك الوجعِ قد انفثَأَتْ إلى الآن.
لقد كان العرابُ في حياتِه شفاءً (ربما).. جرْسَ إنذارٍ (جائزْ).. ضَحْكةً وسْطَ الغَمِّ (قطعًا).. فخرًا وسْطَ دَفْنِ الرُّؤوسِ (مؤكد).. نورًا وسْطَ العَتَمَةِ (لا فِكاك).. لكنَّه حينَ مات، كان وجعًا خالصًا سخينًا دفينًا، وكلُّ ذكرى تركَتْها كلمةٌ من كلماتِه، استحالَتْ وجَعَ جُرْحٍ في ملايينِ القُلوبِ، لم ولن يندمل.

العراب| الجرح

النص لـ: أحمد مجدي
بصوت الراوي: مازن سلام
مراقبة لغوية: عبدالفتاح نوح
هندسة صوتية: أحمد مجدي

العراب - اللقب
ولأنَّ للألقابِ من معادنِ العظماءِ نصيبًا، كان لا بدَّ أن يرتبطَ اسمُ الدكتورِ أحمد خالد توفيق، بلقبٍ ما، لقبٍ يختزلُ كلَّ ما يَعْنيه في نُفوسِ قرائِه ومحبيه.
لم يجتمعْ هذا الجيلُ على لقبٍ واحدٍ لأيٍّ من رُموزِه في حالاتٍ كثيرةٍ، ولكنَّ الدكتورَ أحمد خالد توفيق، أسَرَ الجميعَ بلقبِ العرابِ، هذا اللقبِ الذي انتفى عن كلِّ من سَبَق نعْتُه به، وصار لِزامًا قبْلَ اسمِه، كان كذلك حيًّا، وتعاظمَ بعْدَ رحيلِه.
فلِمَ العراب؟ 
كما يَعْلَمُ الكثيرُ، فالعرابُ ترجمةٌ مؤديةٌ لمعنى "الأَبِ الرُّوحيِّ" المقتبسِ عن كلمةِ god father الإنجليزيةِ، لا يستطيعُ كاتبٌ –فقط- ربما أن يحظى بذلك اللقبِ اتفاقًا بيْنَ جمهورِه، ذلك اللقبِ الذي لا يُتَوِّجُ الدكتورَ، أكثرَ مما يصِفُ حالتَه في قلوبِنا.
كان العرابُ بوابتَنا على عوالمَ أخرى، واللافتُ أنه لم يكُنْ سِوى بوابتِنا إلى الواقعِ، ذلك الواقعِ الذي يَصِلُ إليْنا دائمًا مُحَمَّلاً بما ليسَ فيه، معه فقط كان يُمكِنُنا أن نجدَ أنفُسَنا في "أغيارِ يوتوبيا"، ومع غموضِ عفافَ، إذْ كتبَتْ كَلِمَتَها المجهولةَ على "حائطِ السِّنْجة"، نَظَرْنا للمختفين كما لو كانوا كلُّهم "عصامًا"، وترجماتُنا للواقعِ لم تكُنْ إلَّا من خيالاتِ رفعتْ إسماعيل!.
حتى إنْ بَدَا "ما وراءَ طبيعتِه" خياليًا غارقًا في الحُلْمِ، فالدكتورُ –حتى في خيالاتِه- كان الطبيعةَ ذاتَها، وخيالُه كان خيالَ الطبيعةِ، الذي يرفضُ الانسياقَ والتكبيلَ، فلا شيْءَ يُعرْقِلُ قلمَه إنْ أتَتْ فكرتُه.
وفي الوقتِ ذاتِه، وفي زمنٍ لم يَعُدْ فيه مكانٌ إلَّا لِمَا لا قِبَلَ بِتَصْدِيقِه، كانَ بسيطًا، حقيقيًّا، واقعيًّا؛ ولذا كانَ بطلَ هذا الجيلِ، البطلَ الذي يُشبِهُهم ويُواكِبُهم، كانَ بَطَلًا لجيلٍ أدمنَ كُرْهَ الكَذِبِ، وَظَلَّ حَرِيصًا على الصِّدْقِ، حتى إن كانَ مُفْتَقِرًا للحِكْمَةِ، وَإِنْ أَوْرَدَهُ مَوَارِدَ الهَلَاك.. كان عَرَّابَ هذا الجيلْ.
اللافتُ في الأمرِ، أنَّ الدكتورَ أحمد خالد توفيق كان لا يُفَضِّلُ هذا اللقَبَ الذي اتفقَ عليه هذا الجيل، كان يقولُ إنَّه مُجَرَّدُ خُطْوَةٍ على بِدَايةِ طَرِيقٍ طَويلٍ، وكانَ حَرِيصًا على أن يَدُلَّ كَلَّ مُرِيديهِ عَلَى هذا الطريقْ، وَلِذا؛ كانَ الشبابُ مِنْ خِلالِ ما كَتَبَهُ يَتَعَلَّمونَ طريقةَ تفكيرٍ مختلفةً في شُؤونِ حَيَوَاتِهم، وفي الوقتِ ذاتِه، كان أحمد خالد توفيق بابًا رئيسًا ومدخلًا على الأدبِ العالميِّ كُلِّهِ بالنسبةِ لَهم.
لم يكُنِ الدكتورُ أحمد خالد توفيق يُفَضِّلُ هذا اللَقَبَ، لأنه كان يرى أن دَوْرَهُ لا يَكَادُ يُرَى، وأنه لا يملِكُ هذا الحجمَ من التأثيرِ، وذلكَ ديْدَنُ الصادقين دائمًا، لا يرَوْنَ ما يراه غيْرُهم، بل يُصِرُّونَ على عَدَمِ وُجُودِهِ مُقْسِمِين بأغلظِ الأَيْمان.
لكنَّ مواضعَ الجُرْحِ في قلوبِنا، تلكَ التي تَحَسَّسْناها وَسَنَظَلُّ نَتَحَسَّسُها حينَما يأتي إبريلُ مِنْ كُلِّ عامٍ، تَشْهَدُ للدكتورِ أحمد خالد توفيق، أنَّ وَجَعًا كذلكَ الذي يَسْكُنُنا، لا يأتي إلا لفِقْدانِ عرابٍ حقيقيّ!.

العراب| اللقب

النص لـ: أحمد مجدي
بصوت الراوي: مازن سلام
مراقبة لغوية: أحمد مجدي
هندسة صوتية: أحمد مجدي

العراب| الاستشراف

النص لـ: أحمد مجدي
بصوت الراوي: مازن سلام
مراقبة لغوية: أحمد مجدي
هندسة صوتية: أحمد مجدي

العراب - الطب
ولأنَّ لكلِ أدبٍ حيٍ صادقٍ بواعث، فقد كان باعثُ أدبِ الدكتور أحمد خالد توفيق، الحياة، اختزلَ ذاتَ حديثٍ خلاصةَ تلك البواعثِ في الطبّ.
قال إن الطبَ يعطي تجربةَ رهيبةً لا تُضاهَى للإنسان، قال إنه لا أحدَ يمرُّ بالحياةِ والموتِ بكل انفعالاتِهما مثلَ الطبيب، ذَهَبَ إلى أبعدَ من ذلك حين قال إن الطبيبَ لا بد أن يكتبَ لا محالة!.
تحدثَ مرةً عن أن الطبَّ يعني بالنسبة له لحظاتِ القوةِ والضعف، لجوءَ القوي المسؤول ذي المنصب حين يكون على سريرِ المرضِ إلى إنسانٍ، لا شيءَ سوى إنسان، لابد أن يتحرك بداخل الطبيب ما لا يتحرك داخلَ غيره حينئذ، لذا كان يرى أن الطبيبَ لابد أن يكون كاتبًا بالضرورة.
كان يرى أن الطبَّ والأدبَ موضوعُهما الإنسان، وأن اللحظاتِ الحميمةَ التي يتعرض لها الطبيبُ تُحَرِّكُ داخل الكاتبِ ما لا يمكن أن يتجاهَلَه قَلَمُه.
لن نستطيعَ أن نَصِفَ الطبَّ في حياةِ الأديبِ الطبيبِ أحمد خالد توفيق بأنه شيءٌ بين السطورِ يَمْكِنُنا تَفَقُّدُه أو البحثٌ عَنْه، الأمرُ أَوْسَعُ من ذلك بكثير، إن الطبَ كان عنصرًا أصيلًا لا يمكن أن يُقرأَ عملٌ للعرابِ دون أن يتضمنَه.
تَجِدُهُ يَصِفُ الموتَ والحياةَ وَحِيَلَ الخلاصِ مِنْهُمَا بمنتهى الدقةِ في أعمالَه، يعرضُ لك الموضوع الطبي الذي تحسبه صعبًا متخصصًا في معنى واحد يجعلكَ تَحارُ في كيفيةِ تبسيط هذا الرجل أمورا كتلك للقارئ العام.
إلا أن المِساحةَ الأكبرَ للطبِّ بين أعمالِه، كانت في المقالات، حين كانَ يحكي كثيرًا عن آلامِ المرضى، ولحظاتِ الحياةِ التي تَدُبُّ في أوصالِهم من مواتٍ بمنتهى الشغف، كان يُشعر القارئَ أنه هو المريض، والمَشْفِيَّ، يُقَدِّسُ وَفَاءَ الأطباءِ لِعَملِهم، ولا تمر عليه تِجَارِبُهم مُرورَ الكرامِ أبدًا، ويتناول الطب من كل الزوايا، بكل دقائقِ لحظاتِه، بكل الأفراحِ والأحزانِ والسخريةِ والجدِ والترقبِ والذهولِ والانتظارِ والتعجل.
كان يراقبٌ حياةَ الطبيبِ كما لو لم يكن هو نفسُه طبيبًا، يُحَلِلُه ويستنبطُ أوجاعَه، ويجعلُه مضمونَ أدبِه وكتاباتِه، كان يراه جديرًا بالدرسِ، حياةُ أولئكَ الواهبين حيواتهم للناس كانت شغلًا شاغلًا، لم ينسَ ياسر الجندي، ذلك الطبيبَ الذي رَهْبَنَهُ الطبُّ فَهُوَ عاكفٌ في المستشفيات لا يبرح، كتب عنه واحدًا من أجمل مقالاته "ياسر وبطاطا وأشياء أخرى" كان يرى في الدكتور ياسر الجندي "مصرَ الطيبة السمراء التي لم تمُتْ وتُصِرُّ على الحياةِ بإصرارٍ غريبٍ برغمِ كل ما يحدثُ لها".
كان إنسانًا بكل ما للإنسانيةِ من معنى، ولذا كان أديبُه منبعثًا من طبيبِه، وطبيبُه منبعثًا من أديبِه، وكلاهما منبعثٌ من الإنسانْ.

العراب| الطب

بصوت الراوي: سلمى عزت
مراقبة لغوية: محمود سلام أبو مالك
هندسة صوتية: أسماء راشد


لقد كبر أولادي، ما شاء الله، هذا يسرني بالتأكيد لكنه يحرمني من حقي في ممارسة بعض ما اصطلح الناس على أنه (هيافة).. ولهذا قصة يطول شرحها.

الهيافة هي مصطلح عامي معناه (التفاهة) مع شيء من الخَرَقْ وانعدام المسؤولية وتضييع الوقت فيما لا طائل من ورائه.. مع لمسة سخف لابد منها طبعًا.

يجب أن أعترف هنا اعترافا خطيرا هو إنني أحب قراءة مجلة (ميكي) جدًا .. هذا التدفق الفني الجميل بريشة أعظم فناني العصر مع ذلك العالم الساحر البسيط .. عالم من البط والكلاب والفئران وكل بيت يبنيه صاحبه بنفسه، وأمامه سيارة مضحكة وصندوق بريد خرب، والمليونير العجوز الذي يقضي الوقت في عد المال، والبطة العصبية المغرورة الظريفة معدومة المواهب .. الخ ..
اعشق هذا العالم الساحر بشدة، وكنت أتابعه بشغف حتى أنهيت الجامعة، فبدا منظري غريبا جدا وأنا أبتاع هذه المجلة من بائع الصحف العجوز المتشكك عم (مأمون)، خاصة وهو لا يكف عن ترديد لفظة (يا دكتور) لا يقصد بها احترامي بل توبيخي طبعًا.

لو أنك رأيتني وأنا أبتاع المجلة وأنظر حولي في حذر، لظننت أنني لا أبتاع مجلة أطفال ولكن جرعتي اليومية من الهيرويين أو الكوكايين.. قد أملك بعض (الهيافة) لكنني بالتأكيد لا أرغب أن يعرف الناس جميعًا بذلك. ثمة حل معقول هو أن أفعل ما أريد ولا أبالي بالناس.. لكن السجون على قدر علمي تعج بهؤلاء الذين فعلوا ما أرادوا ولم يبالوا بأحد.

هكذا توقفت عن شراء المجلة لفترة طويلة جدًا إلى أن عرفت الحل السري: تزوجت وأنجبت..! الآن صار عندي طفل جميل لابد من تثقيفه وإمتاعه .. هكذا عدت إلى بائع الصحف العجوز العم مأمون لأقف في فخر وكبرياء وأقول:

ـ''هات مجلة ميكي لمحمد ابني ...''.

فيقول في رضا وطيبة:
ـ ''بارك الله لك فيه''.

الآن لم أعد مصابًا بالهيافة وإنما أنا مجرد أب مخلص..

أمسك بالمجلة في تعال وكبرياء ولسان حالي يقول: ''كيف يقرأون هذه الأشياء التافهة؟''. ثم أعود لداري وأنا موشك على التحليق طربا وأتشمم غلاف المجلة الصقيل عطر الرائحة . ما أجملها !.. يجب أن يعبئوا رائحة الأغلفة هذه في زجاجات.

في البيت تنظر لي زوجتي في شك وهي مستعدة في أي لحظة كي تتهمني بالهيافة لو اكتشفت أنني أقرأ هذه المجلة، لذا أضغط على أعصابي حتى المساء ثم أضع الطفل في فراشه وأقرأ له القصص الموجودة فيها تباعًا.. صحيح أنه ينام بعد صفحتين لكنني أب متفان أواصل قراءة المجلة له حتى آخر صفحة.

لا يقتصر الأمر كما ترى على قراءة مجلة ميكي. مثلاً لم يعد مما يليق بي أن ألعب مباراة كرة أمام البيت، لكنك تستطيع ذلك لو صرت أبا حنونا يلعب مع ابنه .. سني لا تسمح بدخول السينما اسبوعيا لكني أب طيب مصمم على تسلية ابنه. أما عن الحلوى والبطاطس المقلية وكل تلك الأشياء لذيذة المذاق الموضوعة في أكياس (تشخشخ)، والتي يصر الكبار على أنها سامة، لكنها لم تكن موجودة في طفولتي وقد صار تذوقها مزاجا حقيقيا .. فقط أبتاعها لابني ثم ألتهم منها الكثير لأتأكد من أنها لن تضر صحته.

أنا أب متفان حقا .. إن آباء كثيرين يحسدونني على سعة الصدر التي أملكها مع ابني ..

كبر ابني ولم يعد يهتم بهذه الأشياء، وكلما اقترحت عليه أن يقرأ مجلة ميكي هز كتفيه في اشمئزاز وقال:

ـ''أنا لم أعد طفلاً !''.

هكذا وجدت أن الوغد تسبب في حرماني من قراءة المجلة لمدة عامين، خاصة وأمه تعرف جيدا أنه لا يحب القراءة أصلاً... دعك من أنه الطفل الوحيد الذي يمقت الحلوى والبطاطس المقلية وكل تلك الأشياء لذيذة المذاق الموضوعة في أكياس (تشخشخ). لقد دمر حياتي ومستقبلي لذا وجدت أن الحل الوحيد هو أن أنجب ثانية.

الآن تراني أبتاع مجلة ميكي معلنا أنني أبتاعها من أجل مريم ابنتي .. من ثم يدعو لي عم (مأمون) .. أبتاع حمولة كاملة من البطاطس المقلية والحلوى، وأذهب للسينما أسبوعيا وألعب الكرة حيثما أردت لأنني أفعل هذا لمريم!.

أمس قالت لي مريم إنها لا تحب مجلة ميكي وإنه لا داعي لشرائها. احمرت عيناي غيظا وزمجرت ثم اتهمتها بالغباء والسطحية والجهل.. سوف تقرأين مجلة ميكي سواء أردت أو لم تريدي.. لست مستعدا لأن أنجب طفلا كلما أردت قراءة هذه المجلة، وإلا لوجدت نفسي مثل رمسيس الثاني الذي رزق بـ 99 ابنا.. لابد أن رمسيس الثاني كان يعاني بعض (الهيافة) ويحب قراءة مجلة أطفال فرعونية تطبع على برديات.

هناك حل ثوري آخر هو أن أجد لنفسي وكرا سريا في أحد أزقة المدينة القذرة، حيث أستطيع أن أختلي بنفسي وأمارس الهيافة كما أريد، وهذا الوكر سوف أملؤه بمجلات ميكي وأكياس البطاطس حيث آكل وأقرأ إلى أن أفقد صوابي تماما .. لكنه حل خطر لو عرفت به زوجتي .. ألا ترى هذا معي؟

هيافة - أحمد خالد توفيق

النص لـ: أحمد مجدي
بصوت الراوي: مازن سلام
مراقبة لغوية: أحمد مجدي
هندسة صوتية: أحمد مجدي

العراب - الأدب
ولأن الأدبَ تحديدًا دون سائرِ الفنون، شَرْطُه الرئيسُ الصدقُ ثم تأتي الصنعةُ والحبكةُ والخيالُ والمحاكاةُ في مراتبَ أدنى، كان أدبُ العرابِ على بساطتِه عميقَ الصدقِ غيرَ مفتعلٍ أبدًا، ولذا فلم يكن هو نفسه مُبَالِغًا في تهويلِ ما كانَ يَخُطُّهُ قَلَمُه.
كان يرى في الأدبِ لحظاتِ صدقٍ، تخرج بشاكلتها التي تعتمل في ذهنه وقلبه، ومن بعد، يستطيع الوقوفَ وتقييمَ الأمر من بعيد، ثم يفندُ أعمالَه بالنسبة له، في ضوء ما يراه الناس.
وكان في عَلَاقَتِهِ بجمهوره من حيثُ الأدب، يَخْشَى أَجَلَّ ما يخشى أن يُقَالَ له "لقد أطلت المَكْثَ" فَحِينَمَا سُئِلَ عن سلسلة ما وراء الطبيعة، تلك السلسلةِ التي جمعت الرعبَ بالطرافةِ بالحنينِ بكل ما لا يمكن أن يجتمع إلا في ذهنِ أحمد خالد توفيق ولا يَخْرُجُ إلا نتاجَ قَلَمِه، قال إنه لم يكن يشغلُه حين قرر إنهاءَ السلسلةِ، إلا الانسحابُ في ذُرْوِةِ الحُب، أن يقول الناسُ "لماذا لم يُكْمِل؟" فيما لم يكن يتخيل أن يقال عِوَضًا عن ذلك: "يَكْفِي.. لقد تناول كلَ شيءٍ، لم يعد لديه ما يقدمه".
وقبل أن يقتحمَ الروايةَ، كان يراها حُلمًا، وبعد أن فَعَلَ بِنَجَاحٍ مُذْهِلٍ، كان مُمْتنًا للروايات نفسها، امتنانَه لجمهورِها الذي أضيف له، فأحمد خالد توفيق خاطب فئاتٍ أخرى برواياته غير تلك التي كان يخاطبها في ما وراء الطبيعة وقصاصات قابلة للحرق، ولكن ظَلَّ الشبابُ الوقودَ الرئيسَ الذي يذهبُ وراءه بِكُلِّيَّتِه.
كان يدافعُ باستماتةٍ عن الكتلةِ الحرجةِ التي تَحْرِصُ على الاقتداءِ به، وإنجاحِ أدبِه، ومتابعةِ كل ما يَخُطُّه، كان فخورًا أيضًا بما يَكْتُب، فَخْرَه بما يَنْقِل مُتَرْجِمًا من الأدبِ العالمي إلى جيل الشباب، وكان –على عدم تفضيلهِ لقبَ عراب الشباب- سعيدًا جدًا بتلك المكانةِ التي أَوْلَوْهُ إيَّاها.
علامةُ صدقٍ أخرى في أدبِ أحمد خالد توفيق، تَكْمُنُ في سعادته الطفولية حينما يتجسدُ الناسُ شُخُوصَ رِوَايِاتِه، ويِبْدَؤون في مُخَاطَبَتِها، قال في لقاءٍ تليفزيوني إن أهم ما اكتسبه من سلسلة ما وراء الطبيعة، بخلاف متابعة الشباب، وإنتاج هذا المضمونِ الأدبيِ المختلف، كان تجسيد شخصية رفعت إسماعيل في أذهانِ الناس، إلى الدرجة التي تخيلوها رسمًا وفق الأوصاف، بل وصار مع كل عدد من السلسلة تأتيه آلافُ الرسائل من رجالٍ يرغبون في صداقةِ رفعت إسماعيل، ونساءٍ يُرِدْنَ الزواجَ منه، والتعرفَ إليه، كل هذا لا يأتي من أدب مصنوعٍ محبوكٍ حَذِقٍ فحسب، كل هذا يأتي عن أدبٍ صادقٍ، وأمارةُ أدبِ العرابْ.. الصدقْ.

العراب| الأدب

العراب - الطرافة
نص لـ:أحمد مجدي
هندسة صوتية: أحمد مجدي
تدقيق لغوي: أحمد مجدي
بصوت الراوي: مازن سلام

العراب| الطرافة

نص لـ:أحمد مجدي
هندسة صوتية: أحمد مجدي
تدقيق لغوي: أحمد مجدي
بصوت الراوي: مازن سلام

الحلقة الأخيرة من برنامج العراب

العراب| رواة

بصوت الراوية: أسماء يسري
مراقبة لغوية: جهاد أبو زينة
هندسة صوتية: أسماء راشد

د.أحمد خالد توفيق 📝

تسنيم أسامة الخولي^^