هذه الأغنية عبارة عن اثنتين مع بعضهما البعض، إحداهما موّال للأستاذة فيروز، وهو موّال قمر مشغرة، والقمر تتفرّد به بلدة مشغرة في لبنان، حيث يظهر بطريقة فريدة من نوعه عند اكتماله، فيبدو واضحًأ للعيان، وجميلًا للغاية، فعُرف القمر بقمر مشغرة، أما الأغنية الثانية فهي دبكة تراب عيْنطورة، 

سماع ماتع لكم يا أصدقاء

قمر مشغرة إلى جوار تراب عيْنطورة

الجَذْلَانُ، مَنِ انْتَشَى مِنْ شِدَّةِ الطَّرَبِ فَرَحًا، وَهَاجَ فُؤَادَهُ مِنَ اهْتِزَازِ وَتَرٍ أَِوْ ضَرْبِ دُفٍّ، أَوْ مَا استُشْكِلَ سَمَاعَهُ وَرُجِّحَ أَنَّهَ إِيقَاعِيٌّ مُنَغَّمٌ، فَبِذَا صارَ جَذْلَانًا!
وَاعْلَمْ رَعَاكَ الله أَنَّ العُودَ وَوَتَرِهِ، لَا يُحرِّك شَيْئًا غَيْرَ قَابِلٍ للْتَّحْرِيك! فَمَنْ لَا حَرَكَةَ لَهُ لَا جَذَلَ لَهُ، فَافْهَمْ!
وَاعْلَمْ يَرْعَاكَ رَبّي، أَنَّ السَّمَاعَ فَنٌّ وَصَنْعَةٌ.
أَمَّا قَوْلُنَا أَنَّه فَنٌّ، فَمَرَدُّ ذلك إِلى مَادَّةِ الفَنِّ نَفْسَهَا، إذْ يَقُول الشيخ ابنُ منظور صَاحِبِ لسَانِ العَرَب، أَنَّ الفَنَنَ إنَّمَا هو الحَالَ، وَقَال رَجُلٌ مُفَنّ، أَيْ أَتَى بِالعَجَائِبْ، وَأَتَى - يرحمه الله- بِقَوْلِ ابن برِّيّ أَنَّ الفُنُونَ هي الأَخْلَاطُ مِنَ النَّاسِ، فَالمَجْلِسُ يَجْمَعُ فُنُونًا مِنَ النَّاسِ؛ أَيْ أَخْلَاطًا مِنْهُم، والتَّفْنِينُ هو التَّخْلِيطْ! وَأشَار الشَّيْخُ ابن منظور أَنَّ الفنَّ هو الطَّرْد، وقَالَ الفَنُّ هوَ العَنَاء، وَنَقَلَ عَنِ الجَوْهَرِيُّ قَوْلَهُ بأَنَّ الفَنَّ هو الأَمْرُ العَجِيب. وَمن بَدِيعِ الْتِفَافَاتِ الشَّيْخُ ابنِ مَنظُور، أَنَّهُ أَوْرَدَ اشْتِقَاقٌ لِلْفَنّ، وهو "الفَنَنْ"، وأَوْضَح أنَّهُ - أَي الاشْتِقَاقْ - يَأتِي بِمْعْنَى الغُصْن! لِذَلك كُلِّهِ كانَ السَّمَاعُ فَنًّا يَرْحمُكَ الله!
وَتَلْخِيصُ الذي تَقَدَّمْ بِكَوْنِ السَّمَاعِ فَنٌّ، أنَّ المَسْمُوعَ من جِنْسِ الفَنَّ، فَاتَّفَقَتْ مَادَّةُ الفَنِّ مَعَ مَادِّةِ السَّمَاعِ، فَكانَتَا وَاحِدَةً، فَالسَّامِعُ من جِنْسِ المَسْمُوعِ، أَيْ أنَّهُ فَنَّان! وَالأخِيرُ هو مُحتوى ذلك كُلِّهِ فَافَهَمْ يَرْعَاكَ الله!
أَمَّا قوْلُنَا أَنَّهُ صَنْعَةٌ، فَهُوَ عَائِدٌ إِلى جَذْرِهِ، الصُّنْعُ نَفْسَهُ، وهو عَمَلُ الشَّيْئ، وَأَشَارَ الشَّيْخُ ابنِ مَنْظُور فِي لِسَانِهِ إِلى أَنَّ الصُّنْعَ هو الإِتْقَانُ فِي فِعْلِ الشَّيْئ وَعَمَلِهِ، وَدَاخِلٌ فِي المَعْنَى أَيْضًا، وِفْقَ مَذْهَبِهِ أنَّهُ الرِّعَايَة وَالتَّرْبِيَة، وَمرَدُّ ذلك إِلى احْتِجَاجِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : "وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي"، وَهُو اصْطِنَاعُ رَبِّ العِزَّةِ وَالجَلَالَة لِسَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامِ لِنَفْسِهِ، أَيْ أَنَّ الله – جَلَّ فِي عُلَاه – صَنَعَ مُوسى – عليه السلام – أَيْ غَذَّاهُ لِغَايَةِ الأَمْرِ الجَلَلْ الذي عَاشَ بِهِ وَلَأَجْلِه عَلَيْهَ السَّلَام، وَاتَّفَقَ الأَزْهَرِيُّ وابْنُ مَنْظُورٍ فِي أَنَّ الصُّنْعَ المَقْصُودَ هُنَا، هُوَ الرِّبَايَةُ بِالقُرْبِ مِنَ الله جلَّ فِي عُلَاه، أَيْ أَنَّ الصُّنْعَ دَاخِلٌ فِيهِ التغذية وَالرِّعَايَة، وَصَنَعْتَ الشَّيْء أَوْ اصْطَنَعْتَهُ أَيْ غَذَّيْتَهُ على الوَجْهِ المُرَادْ أَوْ لِأَجْلِ الغَايَةِ المُرادَة، فَتَأَمَّلْ يَا رَعَاكَ الله. 
وَتَلْخِيصُ الذي سَبَقْ بِأَنَّ السَّمَاعَ صَنْعَة، أَنَّ السَّامِعَ إِنَّمَا يُغَذِي أُذُنَهُ وَيَرْعَاهَا لِغَايَةِ امْتِلاءِ الرُّوحِ والعَقْلِ ابْتِغَاءَ الجَذَلْ، وَهْوَ في ذلك حتّى يُتْقِنَ مَا يَفْعَل، فَافْهَم يَا رَعَاكَ الله.
وَاعْلَم يَرْعَاكَ الله أَنَّ العَبْدَ الفَقِيرَ، قَدْ أَتَمَّ تَحْرِيرَ كَلِمَاتِهِ هذه يَومَ الثُّلاثَاءِ المُوافِقُ لِلثَّامِنْ عَشَرْ مِنْ تِشْرِينَ الثَّانِي لِعَامِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَأَلْفَيْن.

عَنِ العَبِدِ الفَقِير إِلى رِضَى مَوْلَاهُ

وُلِدَ العَبْدُ الفَقِيرْ غُرَّة الثَّانِي مِنْ أَيْلُول، ونَبَتَ فِي أَرْضِ اللّوْزِ مِنْ جُمْلَةِ بَلْدةِ مِنْ بِلَادِ فِلَسْطِينْ، وَسُرْعَانَ مَا اقْتَلَعَتْهُ يَدُ الغَدْرِ مِنْ بِلَادِهِ حَتّى رَحَّلَتْهُ إِلى مَنْبَتٍ آخَرَ قَهْرًا، اعْتَاشَ بِهِ، وَسَطَ أَهْلِهِ الطَّيّبُونْ المُتَجَلِّدُون، وَمدِينَتُها البَائِسَة.

قمر مشغرة إلى جوار تراب عيْنطورة

جَذْلَان | الشَّيْخُ الرَّئِيس