Copy of مجالس تدبر السيرة: السُّنن الإلهية وحتميات الدين

كل حدث من أحداث السيرة يُمثل لحظة من لحظات معركة الحق والباطل، الإسلام والكفر، هذه اللحظات نفسها تتكرر عبر التاريخ، لكن السيرة تُمثل اللحظة المثالية لهذا التدافع وكيف يواجه من جهة الإسلام والمسلمين.

فالعلم بالسيرة والعناية بها ليس ترفًا علميًا، فنحن الآن الآن نعيش لحظة من لحظات السيرة، تكررت بحذافيرها، واستدعاؤنا الآيات القرآنية في هذا الواقع الذي نعيشه إنما هو في الحقيقة استدعاء لحدث من أحداث السيرة، فكلما اقتربنا من النهج الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم؛ كلما حققنا الغاية من وجودنا على الأرض كما حققوا هم، وذلك لن يتأتى إلا حين يكون لدينا "الوعي بالسيرة".

للمشاهدة على يوتيوب:
https://youtu.be/WlGFxEpau2M

تدبر السيرة: الهداية والضلال: الجاهلية وإرهاصات النبوة | محمد وفيق زين العابدين

وهذه الصفات وإن كانت من مآثر النبي صلى الله عليه وسلم وتأكيد خيريته على سائر الخلق؛ إلا أنها تتضمن معنىً آخرًا مهمًا؛ هو إقامة الحُجة على قريش لتثبت سُنة الله عز وجل في الهداية والضلال، التي عبر عنها قوله تعالى: {مَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ ونَذَرُهم في طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ} بعد قوله تعالى: {أوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِن جِنَّةٍ إنْ هو إلّا نَذِيرٌ مُبِينٌ * أوَلَمْ يَنْظُرُوا في مَلَكُوتِ السَّماواتِ والأرْضِ وما خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ}.. فهذا جزاء التكذيب وترك التفكر في آيات الله تعالى ومن جملتها وقبلها كما وضحت الآية؛ حال الرسول صلى الله عليه وسلم، فما كان ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله.

فالقرآن يتعجب من إعراضهم عن التفكر في حال النبي صلى الله عليه وسلم كما تركوا النظر في الخلق وملكوت السماء والأرض، فلو أنهم جمعوا هذه إلى تلك بقليل من النظر؛ لتأكد لهم صدق النبي صلى الله عليه وسلم وصدق رسالته، لذلك كان جزاؤهم من جنس العمل بأن {ونَذَرُهم في طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ}، أي انتفاء هَدْيهِم في الحاضر واستمرار ضَلالِهم في المستقبل كما بدأوه في الماضي، وهذا أخطر ما في الضلال!

للمشاهدة على يوتيوب:
https://youtu.be/kVVCMSybnQ8

تدبر السيرة: الهداية والضلال: من الميلاد للبعثة: الصادق الأمين | محمد وفيق زين العابدين

لا ريب أن تحنث النبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء وخلوته فيه كان من أهم ما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، فاختلاء النبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء قبل البعثة، الذي أتاح له صلى الله عليه وسلم التفكر في الملكوت وفي أحوال الجاهلية؛ كان من أهم أسرار القطيعة مع عادات الجاهلية والوثنية التي كانت قد ملأت الأرض وقتئئذ.

وما كان الله عز وجل ليختار للنبي صلى الله عليه وسلم في هذه المرحلة الصعبة من حياته صلى الله عليه وسلم إلا زوجة ذات خصائص خاصة تناسب النبي صلى الله عليه وسلم في العزم والقوة والتحمل، كي تؤازره وتُخفف عنه وتُؤنسه وتُعينه وتعيش همومه مهما كانت ومهما خالفت عادات قومها وأعراف كل من حولها، ولم يثبت أنها رضي الله عنها أغضبته صلى الله عليه وسلم أبدًا، ولم ينلها منه عتب ولا هجر ولا حزن، لم تسوءه قط، فليس غريبًا أنها سيدةُ نساء العالمين وسيدةُ أهل الجنة.

للمشاهدة على يوتيوب:
https://youtu.be/T-Mb6ZAW2Tg

تدبر السيرة: الهداية والضلال: من الميلاد للبعثة: خديجة والغار | محمد وفيق زين العابدين

لم يكتم النبي صلى الله عليه وسلم الدعوة خوفًا على نفسه أو ما شابه، بل لتشريع الأخذ بالأسباب الظاهرة من الحيطة، وترسيخ سُنة التدرج والنماء، فالإصلاح لا يتم في ليلة واحدة، والخير لا يأتي دَفعةً واحدةً، وصيحةُ الحقِّ التي تدوي لا بُدَّ لها من أطوار، فسُّنة الله في خلقِه التدرج والنَّماء.

فهذه الدعوة “السرية” سمحت بتهيئة بيئة اجتماعية وقاعدة اجتماعية مشتركة من خلال الرعيل الأول من الصحابة، وتكوين حاضنة للمسلمين الذين أتوا بعد ذلك تباعًا عند إعلان الدعوة، ولذلك فقد اعتمدت الدعوة في هذه الفترة على الملازمة والمصاحبة للنبي صلى الله عليه وسلم والأخذ عنه ليس فقط الدين الجديد، بل الأخلاق والسمت كذلك، فحدثت أول قطيعة كبرى - أي جماهيرية ليست فردية - للشرك ولعادات الجاهلية.. وكانت هذه النواة الأولى للجماعة المؤمنة التي تكونت إبان الدعوة الفردية؛ محضن تربوي لهؤلاء الذين دخلوا في الإسلام، فاستوعبوهم نفسيًّا واجتماعيًّا.

للمشاهدة على يوتيوب:
https://youtu.be/2JNvR4HwYlo

تدبر السيرة: الهداية والضلال: الرسالة: الوحي وبدء الدعوة | محمد وفيق زين العابدين

مع الجهر بالدعوة بدأ الابتلاء والإيذاء للمؤمنين، ولم يسلم منه النبي صلى الله عليه وسلم، وسائر أصحابه الأحرار منهم والعبيد والموالي.. حيث نالهم جميعًا من الأذى ما نالهم، وهو قليل من كثير لا نعلمه ولم يصلنا خبره.
فكما أن الصحابة ضربوا أروع الأمثال في بطولات القتال والتضحيات؛ ضربوا قبلها أروع الأمثال في بطولات الصبر والثبات، كانت نفوسهم؛ مطمئنة في كل أحوالها، مقبلة غير مدبرة مهما كانت المخاوف، ثابتة في ميادين الرجولة مهما اشتد البأس، صابرة في ميادين الابتلاء مهما كانت الآلام، لا ترتاب ولا تنكسر ولا تفر ولا تُذلّ، ولا تيأس مهما استبد بها الحزن.

للمشاهدة على يوتيوب:
https://youtu.be/Jmi8IpucfTA

تدبر السيرة: الابتلاء والإملاء: الجهر بالدعوة والاختبار الشديد | محمد وفيق زين العابدين

للمشاهدة على يوتيوب:
https://youtu.be/AUq4Lltm8XA

تدبر السيرة: الابتلاء والإملاء: الرسالة: الهجرة إلى الحبشة | محمد وفيق زين العابدين

للمشاهدة على يوتيوب:
https://youtu.be/wBUzMLNhVdg

تدبر السيرة: الابتلاء والإملاء: الرسالة: حصار الشِّعب وعام الحزن | محمد وفيق زين العابدين

فدعوة النبي صلى الله عليه وسلم خارج قريش، وسماع الجن للقرآن، ودعوتهم قومهم للإسلام، وانشقاق القمر، كلها كانت بشارات ناسبت وقتها تمامًا، لقد جاءت هذه الأحداث في هذا التوقيت لتؤكد للمؤمنين، أن العبودية والتوحيد هي الغاية التي خُلق كل هذا العالم لأجلها، وأن كل هذا الكون وكل الخلق مخاطب بها ومذعن لها، وأن كل قوى الكون لن تحول دون إبلاغ دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن كل كيد المشركين سيرتد عليهم وسينتهي عما قريب.

ومن جانب آخر لتؤكد سنة الله تعالى الماضية في خلقه حول الهداية والضلال، وأن خلق الهداية في القلوب وفي النفوس بيد الله عز وجل، فالذي قدّر الضلال على أبي طالب وموته على الباطل منذ أشهر قليلة، ربما أسابيع وأيام، رغم محاولات النبي صلى الله عليه وسلم معه حتى آخر لحظات حياته، وقربه منه؛ هو الذي قدّر الهداية للنفر من الجن، وبعض الأقوام الأخرى، مع بُعدهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: “لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ”.

للمشاهدة يوتيوب:
https://youtu.be/ekBLIQQUxgw

تدبر السيرة: الهداية والضلال: الدعوة خارج قريش وانشقاق القمر | محمد وفيق زين العابدين

لقد جاء حدث الإسراء والمعراج إبان قمة ابتلاءات المؤمنين في مكة، وفي ذروة ضعفهم بعدما بلغ بهم الجَهد مبلغه، فبعد ألوان العذاب التي تعرضوا لها، من كتمانٍ لدينهم واعتداء عليهم وإهانة لهم وسخرية بهم وتجويع وحصار ومقاطعة تأتي هذه المنحة الإلهية "الإسراء والمعراج".

وعلى الرغم من كونها نعمة للمؤمنين وتسلية لنفوسهم وتقوية لقلوبهم ليثبتوا في مواجهة الشدائد والمحن، وهي هكذا لكل مؤمن في كل زمان، فمشاهدته صلى الله عليه وسلم لها؛ مشاهدة للمؤمنين جميعًا، إذ هي فرع عن النبوة؛ إلا أنها كانت لكثير منهم محنة وفتنة وابتلاء عظيم فاق ما سبقه من ابتلاءات مادية وجسدية؛ وهي كذلك أيضًا في كل زمان.

للمشاهدة يوتيوب:
https://youtu.be/g2ePewkLWXU

تدبر السيرة: الابتلاء والإملاء: الإسراء والمعراج: من الإسراء للسدرة | محمد وفيق زين العابدين

بعد هذه الليلة المهيبة الجليلة، عاد النبي صلى الله عليه وسلم لمكة، ومع عودته بدأ الابتلاء الصعب له وللمؤمنين، فكما قلنا سابقًا على الرغم من كون هذه الليلة نعمة للمؤمنين وتسلية لنفوسهم وتطيب لقلوبهم، وهي هكذا لكل مؤمن في كل زمان؛ إلا أنها كانت لكثير منهم محنة وفتنة وابتلاء عظيم فاق ما سبقه من ابتلاءات مادية وجسدية؛ وهي كذلك أيضًا في كل زمان.

فالدرس الذي يُقدمه "الإسلام" للناس، وينبغي لنا أن نُدركه؛ أن الإيمان الحقيقي لا يعتمد على الخوارق، بل يعتمد على منطق الإيمان الذي يوافق فطرة الناس، لذلك لم تُفلح الخوارق مع اليهود ولا النصارى ولا الأقوام السابقة، ولماذا كان القرآن العظيم معجزة هذا الدين الباهرة التي لا تنقضي ولا تفنى، لأنه يحمل هذا المنطق الإيماني لكل الناس في كل زمان كل مكان!

للمشاهدة على يوتيوب:
https://youtu.be/R4gBsKhwS5M

تدبر السيرة: الابتلاء والإملاء: الإسراء والمعراج: الصلاة ودروس العقيدة | محمد وفيق زين العابدين

فبيعة العقبة، كانت ذات قدر كبير عند الصحابة وعند أهل العلم، ومن يقرأ في كتب الحديث والسير، سيلمس بوضوح أنهم كانوا يعظمونها تعظيمًا بالغ القدر لا يقل عن تعظيمهم غزوة بدر، فتراهم إذا أرادوا أن يذكروا منقبة لأحد الصحابة الأجلاء يقولون: شهد العقبة، أو شهد بدرًا والعقبة، أو شهد العقبة والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومثلما لقبوا من حضر بدرًا بـ "بَدري" لقبوا من حضر العقبة بـ "عَقَبيّ"، تجدون ذلك في كلام الحسن وقتادة وابن هشام وابن عبد البر والطبراني والحاكم والبيهقي والذهبي وغيرهم كُثر، ومنه قول سفيان بن عُيَيْنَة: "عُبادةُ بن الصَّامِتِ؛ بَدْريٌّ أُحُدِيٌّ عَقَبيٌّ شَجَريٌّ وهو نَقيب"، وقول ابن هشام: "سعد بن خيثمة الأنصاري عَقَبيٌّ بَدْريٌّ قُتل يوم بدر شهيدًا”.

للمشاهدة على يوتيوب:
https://youtu.be/-rgb9zgfy70

تدبر السيرة: الهداية والضلال: في مبدأ الهجرة: بدء إسلام الأنصار | محمد وفيق زين العابدين

كانت الهجرة انتقالًا حسيًا ونفسيًا، وكلاهما لم يحصل إلا بالآخر، بالجسد فارق المؤمنون العادات والتقاليد وثقافة المجتمع الجاهلي، وبالنفس فارقوا آثار هذه الأشياء في الشعور والأحاسيس والتصورات، فصلاح الناس من صلاح المجتمع الذي يعيشون فيه، وصلاح العلاقات الاجتماعية التي ينخرطون فيها، لذلك نهى الإسلام عن صُحبة السوء وأمر بحُسن اختيار الأزواج.. فالهجرة انتقال في المشاعر والقيم قبل أن تكون انتقالًا في الحيز والمكان، والانتقال من المكان إنما هو لفتح المجال للانتقال في المشاعر والقيم.

للمشاهدة على يوتيوب:
https://youtu.be/XWGiIYdXX0g