لا أعلمُ تحديدًا من أين ابدأ..

تتزاحم جميع الأسئلة عند بوابة رأسي الآن لتخرج إليكِ. تُسابق بعضها البعض, ظنًا منها أن من منهم ستنال شرف كتابتها إليكِ أولًا, ستحصُل على فُرصة أكبر في إيجاد إجابتها. اعذريهم, مازالوا حمقى ولا يعلمون أنّكِ لن تُجيبي على أي شيء..

لن اسألُكِ عن حالِك فلطالما كذبتِ عليّ بهذا الشأن, ولن أُخبرُكِ بحالي فوحده بحالنا أعلم..

أَكتُب اليكِ الآن ..وأنا أعلم جيدًا أنكِ لن تردي على خطابي هذا .. وربما لن تبالي حتى بقراءته. ولكنني سأكتب على أي حال. سأكتب لأنني لا أنتظر منك ولا حتى إيمائة تدل على أنك استلمتي خطابي. أكتب اليك وأنا لا أنتظر منكِ أي شيء.. لكنني أنتظر مني..

أكتب اليكِ كي أجد خطابي هذا يومًا وأُدرك أنَّك لم تجيبيني من حينها.. فأتذكر أنكِ لا تُبالي بما أكتب, لا تبالي بأسئلتي, ولن تبالي يومًا. علّني حينها أكُف عن توجيه أسئلتي إليكِ وأبدأ في تصديق بعض من حقائقك التي أرفض تصديقها..

,عزيزتي الحياة التي أتمنى ألا تكون يومًا عزيزتي

.عجيبٌ أمرك, وعجيبٌ أمري الذي لازال يتعجب من أمرك

..صخبك يرهقني ورتابتك تقتلني وأنت تأبين إلا أن تكوني إحداهُما
تصرين دائمًا على أخذنا لأعلى نقطة لتشعرينا بلذة الانتصار عليك, ثم تلقينا من فوق. في كل مرة تكررين فعلتك هذه وفي كل مرة نسير خلفك واثقين متأهبين ونحن نعلم جيدًا ما تنوين فعله. نحفظ جميع أوجهك وأقنعتك ومازلنا ننخدع في كل مرة! لا تبتسمي هكذا ولا ترسمي على وجهك ملامح الفخر والوداعة تلك, فلستِ أنتِ من تخدعينا, بل نحن من نهوى خداع أنفسنا. نأتي اليكِ ولا نطلب أي شيء سوى السلام, وفي كل مرة ننسى أنكِ لا تُعطي سلامك ببساطة هكذا لكل من يطلبه منك.

تجري أيامك بجوارنا بسرعة غير مفهومة حتى أصبح فعل الجري بطيء وغير ملائم لوصف سرعتك. وتتبدل الأحوال قبل حتى أن تمنحينا فرصة لتدارُكها. تتقني دورك جيدًا, ف تقنعينا أن كل شيء سيحدث تمامًا كما نريد. وبمجرد أن نقتنع ونجلس لنلتقط بعض الأنفاس.. تُبدِّلي كل شيء. تباغتينا كي لا نملك وقت لاستيعاب الموقف فلا يعد أمامنا خيار سوى المواصلة, تمامًا كما تريدين

ينطفىء النور فجأة ويختفي كل مصدر له, وبمجرد أن نبدأ في اعتياد الظلام وتقنعنا أنفُسنا أن هذه الظلمة لن يُبدِدها شيء.. يأتي النور فجأه ومن حيث لا ندري! وبمجرد أن نطمأن بوجوده ويتسلل اليقين إلى أعماقنا فنشعر أنه لا يمكن لهذا النور أن يختفي أبدًا, فجأه.. وبدون مقدمات ..ينطفىء مرة أخرى! كيف تفعلين ذلك؟ كيف تفعلينه في كل مرة؟ وكيف ننسى في كل مرة؟ هل هذه وسيلتك في تذكيرنا أن لا شيء يدوم؟

,عزيزتي الحياة
لم تعد حقيقة أن كل شيء سيمُر تُجدي نفعًا في محاولاتي المستمرة لطمأنة نفسي ..فلقد أدركتُ أخيرًا أن كل هذا الذي يمر ما هو إلا جزءٌ مني, ولكني توقفت هُناك.. تمامًا عند هذه الحقيقة ولم أستطع تخطيها. ماذا أفعل؟ ماذا أفعل لكي لا تنفلت الأيام من بين يداي؟ ماذا أفعل لكي لا تسحبني دوامتك؟ لا أعلم ماذا أفعل في كل الأيام التي تمر بجواري, ولا أعلم ماذا أفعل في كل الأيام التي تَمُر بقوة الدفع ومن المُفتَرَض أن أحياها. كيف لي أن أحيا دون سبب يدفعني للمواصلة؟ وكيف سأجد أي من أسباب المواصلة وأول شروط إيجادها يقتضي أن أحيا أولًا؟

,عزيزتي الحياة
..اسأل نفسي كُل ليلة ماذا بعد؟ ولم أجد يومًا إجابة تُرضيني
ماذا بعد؟ ولماذا لستِ عادلة كما ظننتك يومًا؟ ولماذا وعلى الرغم من علمي بحقيقة أنكِ لستِ عادلة مازلتُ أتعجَّب في كل مرة أراك لا تمنحين كل شخص ما يستحقه؟ نعم, أؤمن بأن كُلٌ سينال تمامًا ما يستحق في نهاية الأمر, أؤمن بعدل الذي بيده كل شيء رغمًا عنك يا من لا تفهم للعدل معنى. نعم أؤمن, ولكنني أنسى.. وفي بعض الأوقات لا أستطيع أن أقبل بألا أرى عدلٌ يُحقق أمامي الآن..

,عزيزتي الحياة
أخبروني يومًا إنني سأفهم كل شيء عندما أكبر, ولكنني كبرت, ولم أفهم شيئًا! فكلما رأيت منك, كلما أزددت حيرة في أمرك. نعم اصبحت أعلم جيدًا أن ليس كل شيءِ هُنا يمكن فهمه, ليس كل شيء يستحق الفهم على كل حال. لكنني –وبالرغم من ذلك- مازلت لا أتقبل تلك الحقيقة التي أعلمها جيدًا. مثلها مثل كل حقائقك. فهناك خيط رفيع بين فهم تلك الحقائق وتقبُّلها دائمًا ما يربكني ويبعثر 
خُطاي, فلم أنجح يومًا في عبوره

,عزيزتي الحياة
كيف لي أن يؤرقني أمرك هكذا وأنا أعلم جيدًا أنَّكِ سرابٌ هزيل؟


,عزيزتي
.في يوم, سأكتب خطابًا إلى نفسي وسأبدأه والابتسامة تعتري شفتاي وأخبرني أنني لم أعد في حاجة للكتابة إليكِ بعد الآن. وحتى ذلك الحين ..

<3 تحياتي

~ رسالة لمن لا تُبالي

ReemAhmed