هل تسمعينني؟

أنا لا أملك من الأمر شيئاً، تكمُن المشكلة في الخريطة .. إذ لم توزع جيدا .  تفصلنا مُدُن وجُدران، حدود كثيرة .. لكن صدّقيني، ما نَسيتُكِ يوماً
وأنا أُشْعِل لفائف التبغ وأقهقه ساخرا في الحفلات .. كنت دائما أفكر بكل الثياب التي مُزّقت، البطون التي بُقرت، والأظافر التي اقتلعت ..
لقد تعرضنا لخسائر بشرية موجعة بفقداننا للكثيرين
أتعرفين .. ماتت سعاد حُسني غريبة عن موطنها، ومحمد عبد الوهاب إثر سقوطه علي الأرض بقوة بعد أن تعثر في إحدي سجاجيد بيته، وزكريا أحمد في منزله بعدما استمع في المذياع إلى اللحن الذي وضعه لأم كلثوم لتسأل "هو صحيح الهوى غلّاب؟" فداهمته نوبة حادة .. أقوى بقليل من تلك التي تنتابني ..
صحيح .. هنالك أغنية فرنسية رائعة لداليدا تقول فيها "وإن استمر هذا سأنفجر لوحدي من الألم قُرب مذياعي مثل طفل بريء مستمعة إلى صوتي يغني: أنا مريضة" .. وبعد آخر حفلة لها وجدوها منتحرة في بيتها والمذياع يصيح: "Je suis malade" ..لكن أحدا لم يفهم ..
لا أحد يفهم .. لماذا تَمَرَّدَ سبارتاكوس، وعاد لوركا إلى غرناطة حيثُ أُعدِم، وأَلْحَدَ ماركس وآمَنَت جان دارك، ونُفِيَ نابليون وانتحر هتلر، وجُنَّ فان جوخ، وتَشَرَّدَ جيفارا، وخان عزرا باوند بلاده، وهام أبو نَوّاس على وجهِه .. 
أهرب من قلبي أروح على فين؟ الأفكار تُحاصرني، لماذا لا أنسى جنون نيتشه وصمم بيتهوفن، صرع ديستويفسكي وكآبة شارلي شابلن، دموع الخنساء ومتاهة كافكا وعاهة بايرون وكَبِد حمزة .. الذكريات تُداهمني وأشعر كمن اشتدت به الريح فين يومٍ عاصف .. لقد غُصّت القدس والمدينة وساحة القدّيس بطرس بالخُطاة والتائبين والمُصلّين .. وإذ بالرومان ينثرون الملح على أرض قرطاجة ليتأكّدوا أنها لن تنبت مرة أخرى .. أنا مُبْتَلَى بمُلاحظة ما لا يهمّ الناس أمره، لماذا كتبَ لوتريامون "ماذا كان فعل لو أنه تمكن من العيش مزيداً، لقد أفسد عقلي كثيرا" كتبها  نهار الخميس الرابع والعشرين من تشرين الثاني1870 قبل أن يموت في ظروف غامضة وَلَمْ يُتِمَّ عامَه الرابع والعشرين بعد .. كَرَجُلٍ نُبذَ بالعراء وهو مذموم، زنّة سخيفة تسيطر على الأُذُن وصداع نصفي لا يرحم عيني، مَرَّ عامان عليّ وأنا أفكر في مصير شخصية وهمية رسمها أحمد منيب في أغنية لرجل "طلب القهوة وماشربهاش" .. يَتَّضِح في الأخير أن "السِتّ" كانت على حق حين دَعَتْني للاستسلام بدعوى أنه "ليالينا الحلوة في كل مكان".

هل تسمعينني ؟!

What you’re not changing, you’re choosing .

هل تسمعينني ؟!

ساره