بابٌ في ما جيءَ من قُبلةٍ أو عناق

أوجد الله الإنسان مُعدمًا، فحينما خلقه اختصّه بميزات، ما وُجدت في غيره من المخلوقات، فأودع الله فيه العقل، ومنحه من الخِلقة والصِّنعة البهيمية، لشهوة! 
أما المكون الأعجب، والخصّيصة الأندر، والعنصر الجوهر، والسرّ الأسحر، الفطرة! 
فهي سرّ الطبيعة البشرية، فالواحد منّا يقف حائرًا أمام سرّه!! 
فالإشارة الإلهية تُخبرنا بأن هذا المكنون الجوهري المستودع في الإنسيّ، إنما هي نفحةٌ منه!!
"فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله" [الروم: ٣٠] 

وكذا الإشارة النبوية، وافقت الإشار الإلهية، ففي حديث سيدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "خُلق الإنسان على الفطرة"،

والفطرة هي علم الله الأزليّ فيك، إن كنت شقيًا ،فشقيّ، وإن كنت سعيد، فسعيد! 
وهي  أرض المعرفة الأولى في خارطة الإنسان، فلا اختيار ولا انزياح بلاها!  وهي ما يجعل الإنسان، إنسانًا! 
فكيف وأنت بلا فطرة، تُرى كيف تُحبّ؟ ام كيف تحزن؟ او كيف تفرح؟ 
إن النازع الأكبر والدافع الأشهر، لتمارس انسانيتك هي "فطرتك"! 

وهنا إشارة بديعة للشيخ أبو علي ابن سينا، في كتابه النجاة : 
"ومعنى الفطرة أن يتوهم الإنسان نفسه حصلَ في الدنيا دَفعةً وهو عاقل لكنه لم يسمع رأيًا ولم يعتقد مذهبًا ولم يُعاشر  أمّةً ولم يعرف سياسة، ولكنه شاهد المحسوسات وإخذ منها الحالات، ثم سَعرض على طهنه شيئًا وييتشك فيه، فإن أمكنه الشك فالفطرة لا تشهد به وإن لم يمكنه الشك فهو ما توجبه الفطرة، وليس كل ما توجبه  فطرة الإنسان بصادق إنما الصادق فطرة القوة التي تُسمّى عقلًا، وأما فطرة الذهو بالجملة فربما كانت كاذبة، وإنما يكون هذا الكذب في الأمور التي ليست محسوسة بالذات بل عي مبادئ للمحسوسات."
لذا فإن السِّمة الأبرز للإنسان هي تلك الوديعة فيه، المكنونة بداخله، والمُستودعة في عقله، إنها الاختيار الطبيعي، والأول، أيْ الفِطريّ!!!

ربما هذه مقدمة طويلة لتبيان مقدمة في لعناق والقبلة، إذ أن جوهر القول، هو أن العناق والقبلة، أكران فطريّان، فُطر عليهما الإنسان! 
فالطفل يكفّ عن البكاء، وتسكن دمعه، بحض أمه له، وهو نفسه حين يكبُر، يسكن قلبه إلى حضن دافئ، يُمثّل امتدادًا للحظة الحضن الأول!
الأدهى من ذلك كلّه أن لحظة التمخّض الأولى، كانت لحظة احتضان!
فهو في بطن أمه متكوّر، يحتضنه جسدها. 
في لحظة التأسيس لإنسانية الإنسان كان الحضن حاجة فطرية، ونزوع بشري إنسانيّ عام! لم يكن الحضن خاصًّا بقومٍ ما، أو بأتباع ديانةٍ ما! 
على العكس كان الاحتضان عملية يعلمها الإنسان جيّدًا، حتى من قبل أن يكون هُوَ! 

ويتفرع عن الحضن، العناق، والعناق، فعل تطويق العالي، أو ما على من جسد الإنسان، ولا يُعانق إلا المحبّ، ولا يتعانق إلا متاحبّان! 

وأصل أنه، فعل تطويق العالي، أن العناق جاء من العنق، الذي جمعه أعناق، والعنق هو الامتداد الأعلى في جسد الانسان، الذي ترتكز عليه درّة درر الإنسان وحوهره، ألا وهو روحه-عقله! 

وفعل تطويق العالي الممتد، هو العناق، والمُعانقة، فعلٌ فيه مكابدة ومعاناة، فليس كلُّ معانقٍ، دَرى جوهر العناق ولبّه، ولا كلُّ معانقٍ ذاق لذّة العناق! 

وعلّة ذلك، التباس فهم العالس من الأشياء عند الناس، وربما التبس عليهم فهم جوهر العنق عندنا نحن معشر البشر! 

أما نحن العرب فعرفنا العنق جيّدًا! 

حتى أن خيالنا الادبي والشعري أفتى بجواز التعانق،
فانظر الى لسان الدين بن الخطيب، حين ألمّت به، ونزلت عليه الأسقام والآلام والأوجاع من المرض وعلّة البدن، فأنشد شعرًا يخاطب فيه معذِّبته المتخيلة ، فكان أن قال:

"قلت العناق حرامٌ في شريعتنا
قالت أيا سيدي واجعلهُ في عنقي"!!

وليس من عجب ان ربط لسان الدين العناق في البيت الذي سبق هذا البيت، بالتقبيل، فكان أن أنشد:

"قبلتها، قبَّلَتْنِي، وهي قائلة 
قبَّلْتَ فاي، فلا تبخل على  عنقي" 

وعنده في تخيله هذا، وفي ما أنشد من الشعر، أن رأى أن مؤدى القبلة عناق! ولا عجب في ذلك، اذ كيف يُقبّل من لا يُعانق، 

وبعض العرب ذهب إلى التلازم وعدم الانقطاع والوصل بينهما، واستحالة وجود دون آخر، وهو كما أنشد ابن طباطبا العلوي شعرًا فكان أن قال:

"يا لذّتي بعناق من
روى فمي رشفًا  ولثمًا"! 

وهو يشير إلى ان العناق تلازم لقبلة رشفت فمه ولثمته!

وأما بعضهم فذهب الى أن العناق يُفضي إلى القبلة، وهو كما أنشد ابن الرومي شعرًا فقال:

"أعانقها والنفسُ بعد مشوقةٌ
إليها وهل بعد العناق تداني"؟! 

ثم يُتبع هذا البيت مباشرةً واحدًا آخرَ، قال به:
" فألثم فاها كي تموت حزازتي
فيشتد ما ألقى  من الهيمان" 

وهذا درويش يذهب الى ما مذهب ابن الرُّومي ففي بديعته التي غنّاها مارسيل، أجمل حب، أنشد دوويش قائلًا:
"حبيبان نحن إلى أن ينام القمر،
ونعلم أن العناق، وأن القبل
طعام ليالي الغزل" …


تتمة المقالة - على قناتي في التيليغرام

الصورة لنازك

هل تناسيتَ ليلنا إذ قضَيناهُ في القُبل؟!

أطَرَبَ أَوْ أُطْرِبَ، أيْ اهْتَزَّ أَوْ خَفَّ مِنْ فَرَحٍ أَوْ حُزُنٍ، والمَرْءُ إذا 

انْطَرَبْ، فَهُوَ مُهْتَزٌّ، 

واعْلَمْ رَعَاكَ الله أنَّ السَّمَاعَ فِيهِ حُزْنٌ وَفَرَحٌ، وأَنَّ الطَّرَبَ حَالٌ 

مُلَازِمَةٌ لِلّسَّمَاعِ، 

وَاعْلَم أَنَّ ذلك مُوجِبٌ للاهْتِزَازِ أَوِ الخِفَّةِ، 

!!وُكلٌّ ذَائِقٌ مِنَ الكَأْس



صورة الحساب الشخصي هي من تصميم ورسم الفنان حسّان مناصرة

هنا تجدون الصورة 👇🏻

https://www.instagram.com/hassanmanasrah?igsh=MWpvbDk4cG5janNtMg==

New tracks tagged #القُبل؟!