طَالَعْتُ تَارِيخَ العَرَبِ الطَّوِيلَ
وَقَرَأْتُ مَآثِرًا بِهِ مَا لَهَا مَثِيلَ
حَتَّى وَصَلْتُ إِلَى الفَصْلِ الأَخِيرِ
عَنْ أُمَّةٍ تَحْتَضِرُ وَوَطَنٍ عَلِيلٍ


طَالَعْتُ تَارِيخَ العَرَبِ الطَّوِيل


تَمضي الحَياةُ غَيرَ عابِئَةٍ بِنا
وتُسقينا أَقداحَ الشَّقاءِ والمُنى

وتُقَلِّبُنا بَينَ أَحوالِها وكأنَّها
تَغزِلُ مِن أَعمارِنا أَثوابَ الدُّنى


تَمضي الحَياةُ غَيرَ عابِئَةٍ بِنا

وأدبي ما نفعه مع من لا أدبا يصيبه 
والنصح ما فعله في من أسيء تأديبه
فأكظم جناح الغيظ واركن إلى الصبر
فلا خيرا من الأيام تراها تجيد تهذيبه


الأدب و الأصول


تَنوءُ بِيَا الأَيَّامُ شَوْقًا لِذِكْرَاكِ
وَلَيْسَ لِي صَبْرٌ لَيْلَى لِلُقْيَاكِ

لَا حِيلَةً عِنْدِي وَسُبُلِي مُقَطَّعَةٌ
أَشْكُو إِلَى اللَّيْلِ والخَصْمُ عَيْنَاكِ

أُنَاظِرُ الشُّهُبَ كُلَّمَا لَمَعَتْ
أَرَاهَا فِي الأُفُقِ تَرْسُمُ مُحَيَّاكِ

أَكْتُبُ أَبْيَاتِي مِنْ بَحْرِ عَيْنَيْكِ
شَطْرٌ بِهِ الغَزَلُ وَآخَرٌ لكِ شَاكِ

وَأَقْرَأُ السُّحُبَ قَصَائِدِي دَوْمًا
عَسَاهَا فِي يَوْمٍ تُمْطِرُكِ أَشْوَاقِي


تَنوءُ بِيَا الأَيَّامُ شَوْقًا

تَنوءُ بِيَ الأَيَّامُ شَوْقًا

وفقري تراه ليس فقر مال
بل هو فقرُ صبرٍ واحتمال
وغنى المرءِ ليس بنقوده، بل 
بطيب المناقب والخصال

الفقر ليس فقر مال



هٰذا طَرَفُ عَباءَتي مَدَدْتُهُ، فاجْلِسي يا غانِيةْ
 اِحْضِري كَأْسَ النَّبِيذِ وَعُلْبَةَ تَبْغي الغالِيَةْ

هٰذا هَمٌّ قَدْ أَلَمَّ بِالفُؤادِ، فَرَوِّحِيهِ بِلَمْسَةٍ حانِيَةْ
 وَأمَّا ضِيقُ الصَّدْرِ فَاذْهِبِيهِ بِضَحْكَةٍ عالِيَةْ

وكَرْبُ النَّفْسِ فَرِّجِيهِ عَنّي بِرَقْصَةٍ مِنْكِ وأُغْنِيَةْ
 أنا العَبوسُ المُقْفَهِرُّ بَيْنَ يَدَيْكِ كَالْقُطوفِ الدّانِيَةْ

هَاَكِّ ما لَدَيَّ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وأَفْرِحِينِي ثانِيَةْ
 اِفْعَلي ما قَدْ عَجِزْنَّ عَنْ إتْيانِهِ أُخْرَيَاتٌ ثَمانِيَةْ

بَرْهِنِي أَنَّ العَيْبَ لَيْسَ فِيِّ، بَلْ فِي النِّساءِ الآتِيةْ
 اِفْعَلِيها، وَانْظُري كَيْفَ تَنْقَلِبُ عَيْشَتُكِ البالِيَةْ

أوْ لا تَفْعَلي، وَاسْمَعي ما لَنْ تَكوني عَنْهُ راضِيَةْ
 فَلَقَدْ سَئِمْتُ حُضُورَ كُلِّ لَيْلَةٍ، بِغَيْرِ جَدْوى، جارِيَةْ

لا تَجْفَلي، فَهذا هَذْيٌّ مِنْ رُكَامِ اللَّيْلَةِ الماضِيَةْ
 هٰذا كِتابي، قَدْ شَرَحْتُ فِيهِ عَنْ حالَتي المُتَرَدِّيَةْ

اِقْرَئي مِنْهُ فَصْلًا عَنْ "لَيْلى" وَكَيْفَ كانَتْ زاهِيَةْ
 وكَيْفَ أنّي عَشِقْتُها، وإلَيها كانَتْ عَيْني رانِيَةْ

اِحْكِي ما قَدْ كانَ مِنّي، وَصارَ عِنْدَ تِلْكَ الرّابِيَةْ
 كَيْفَ ذَرَفَ القَلْبُ دَمْعًا قَبْلَ عَيْني الباكِيَةْ

وكَيْفَ كانَتْ جامِدَةٌ وَهيَ تَقُولُ إنّي كَزَوْجٍ، آبِيَةْ
 أتَتْنِي طَعْنَةٌ بِسَهْمٍ ما حَسِبْتُ يَوْمًا أَنْ تَكونَ لَهُ رامِيَةْ

كُلُّ الطِّعانِ بَعْدَها لا تُؤْلِمُ مِثْلَ تِلْكَ القاضِيَةْ
 شُفِيَت مِنْ بَعْدِها جِراحٌ، وَبَقِيَتْ جِراحُ "لَيْلى" كَما هِيَ

يا جامِعَ العُشّاقِ فِي صُحُفِ الغَرامِ الباقِيَةْ
 ماذا دَهاكَ عَنْ عِشْقِي، وَقَدْ سَمِعَ بِهِ كُلُّ أَهْلِ البادِيَةْ؟

مَنْ ذا كَتَبْتَ لِـ"لَيْلى" أَنْ تَهْوى، وَما كَتَبْتَ لِقَلْبِي ثانِيَةْ؟
 مَلْعُونَةٌ هٰذِي الحَياةُ بِدونِها، وَتَبًّا لِكُلِّ أُنْثى تالِيَةْ

اُطْوِ الكِتابَ، يا امْرَأَه، وَارْحَلي، فَلَسْتِ بِشافِيَةْ
 كُلُّ النِّساءِ عَنْ "لَيْلى" لا يُغْنِينَ، وَكُلُّهُنَّ سَواسِيَةْ

اِذْهَبي عَنّي، كَما ذَهَبَ الغَواني فِي كُلِّ لَيْلَةٍ ماضِيَةْ
 اُتْرُكِينِي لِأَحْزاني، وَكَأْسِي، وَعُلْبَةِ تَبغي الغالِيَةْ




لا تغني الغواني عن ليلى

تَرَكْتَ الذَّنْبَ عَنِّي وَأَنْتَ مُبْتَلِيهِ
كَثَوْبٍ أَلْقَيْتُهُ أَرَاكَ بَعْدِي تَرْتَدِيهِ

وَالْحَقُّ بَعْدَ الضَّلَالِ رَأَيْتُ سَبِيلَهُ
كَظَلَامِ لَيْلٍ طَوِيل الْفَجْرُ يَعْتَرِيهِ

وَلَسْتُ عَنْ عَطَشٍ إِذَا أَتَيْتُ المَاءَ
أَرْتَدُّ بِلَا ارْتِوَاءٍ مِنْهُ أَوْ وِرْد فِيهِ

وَأَنْتَ كُلَّمَا أَزْهَرَ لَكَ الْحَقُّ ضِيَاءَهُ
رَغِبْتَ عَنْ رَحِيقِهِ وَكُنْتَ مُزْدَرِيهِ

كَمَنْ يَسْتَأْنِسُ بِالذِّئْبِ فِي مَرَاعِيهِ
وَيَذْبَحُ أَغْنَامَهُ قُرْبَانًا لِكَيْ يُرْضِيهِ

يَا آتِيَ الْآثَامِ عَنْ قَصْد أَلَا تَخْشَى
أَنْ تَلْتَقِيَ الدَّيَّانَ بِدَيْنٍ لَنْ تُوَفِيهِ

وَقُودُ النَّارِ مَنْ يَسْتَصْغِرُ الذَّنْبَ
فَلَا أَفْلَحَ مَنْ بِالْكِبْرِ ذَنْبُهُ يُعْمِيهِ

وَرَبُّ النَّاسِ أَرْضُهُ وَاسِعَةُ الْبِطَاحِ
وَعَرْشُهُ فَوْقَ سَبْعِ طِبَاقٍ يَعْتَلِيهِ

وَكُلُّ النَّاسِ إِنْ عَصَوْا أَوْ أَطَاعُوا
فَلَا نَقْصٌ يُصِيبُهُ أَوْ طَاعَةٌ تُغْنِيهِ

وَإِنِّي لَوْ مَا تَدَثَّرْتُ ثَوْبَ الصَّلَاحِ
أَصْبُو لَهُ عِنْدَ كُلِّ إِصْبَاحٍ أَبْتَغِيهِ

أَتْرُكُ الذَّنْبَ وَعَنْ طِيبٍ أُفَارِقُهُ
وَأَمْضِي إِلَى رِحَابِ رَبِّي أَرْتَضِيهِ

عَسَى يَغْفِرُ كُلَّ آثَامِي وَيَمْحُو
عَنِ النَّفْسِ أَيَّ سُوء بِهَا تُخْفِيهِ

وَنَاصِحُكَ عَلَى أَنْ تَتَّبِعَ دَرْبِي
فَكَيْفَ تَرُدُّ النُّصْحَ عَنْكَ وَتَتَّقِيهِ

كغَارِقٍ بِالْبَحْرِ يَرْمُونَهُ طَوْقَا
فَيَسْتَغْنِيَ عَنْهُ بِقَشَّةٍ لَنْ تُنْجِيهِ

سَلَامٌ عَلَى مَنْ ضَلَّ سَعْيُهُ
وَلَمْ يَصُدَّ عَنْهُ مَنْ أَتَى يَهْدِيهِ

وَبِئْسَ الَّذِي قَدْ عَلِمَ الْهِدَايَةَ
وَيَأْلَفُ بِالضَّلَالِ عَنْهَا وَيَشْتَهِيهِ

وَسُنَّةُ الْخَلْقِ وَضَعَهَا رَبُّ الْبَرَايَا
مَنْ آمَنَ نَجَا وَالْكَافِرُ إِنَّمَا يُمْلِيهِ



تَرَكْتَ الذَّنْبَ عَنِّي وَأَنْتَ مُبْتليه


أَسَفي عَلَى عِزٍّ مضى، وذُلٍّ آتِ 
وعَجْزٍ قَدْ أَصَابَ أُمَّةَ الضّادِ 

اَلْجُوعُ يَسْكُنُ أَرْضَ غَزَّةِ بَينَما
يَنامُ مِلْءُ جُفونِهِمْ كُلُّ الوُلاةِ 
 
هذي فَتاةٌ تَسْعَى بَيْنَ الرُكَامِ 
لَعَلَّ في ثَنَاهُ تَبَقَّى أيُّ فُتاتِ 

لها أَخٌ رَضيعٌ لا ثَدْيَ يُرضِعُهُ 
لأَنَّها جَفَّتْ أَثْدَاءُ المُرضِعاتِ 

وهذي أُمٌّ ثَكْلَى تُواسِي أُمًّا حُبْلَى 
تَتَوَجَّسُ الثَّكْلَ ساعةَ المَخاضِ 

فلا مَشفى هُنالِكَ، ولا ثَمَّ طَبيبُ 
ولا حتّى سَبيلٌ لِأَيْدِي القابِلاتِ 

وهذا طِفْلٌ أَرَاهُ يُناظِرُ البَحرَ
عَسى عَيْناهُ تُبصِرُ بَوَاخِرَ النَّجاةِ 

لم يُخْبِرُوهُ بَعدْ حَقِيقَةْ الْأَمْرِ 
بِأَنَّ حِصَارَهُمْ مُرَبَّعُ الجِهاتِ

لَا بَحْرَ فِيهِ نَجَاةٌ، أَوْ بَرَّ يُسْعِفُهُمْ 
فَكُلُّ مَنْ حَولَهُم أَشباهُ أَمْواتِ 


أَسَفي عَلَى عِزٍّ مضى، وذُلٍّ آتِ

أُحِبُّ الشُّعَرَاءَ وَلَسْتُ مِنْهُمُ
وَأَهْوَى الشِّعْرَ وَلَسْتُ أَنْظُمُ
وَأَكْتُبُ هَاوِيًا بَعْضَ الشُّطُورِ
تَرْوِي الَّذِي أَشْعُرُ بِهِ وَتَرْسُمُ

أَسَفي عَلَى عِزٍّ مضى، وذُلٍّ آتِ

حانة الشعر