النوافذُ مغلقةٌ بإحكامٍ، بالكادِ يصلُني صدى الأصواتِ في الخارجِ. فتحتُ عينَيَّ عندَ الحاديةِ عشرةَ صباحًا، أحاولُ، أنْ أخلُقَ حالةً من الألفةِ، بيني وبينَ الضوءِ الرماديِّ الشاحبِ، الذي يحتلُّ أرجاءَ البيتِ. 
لا أحبُّ صدى الأصواتِ البعيدةِ وأنا في حالةِ الصحوِ؛ عندما أُنصتُ لها، أتذكرُ كوابيسي المليئةَ بصدى أصواتٍ مخنوقةٍ، لأناسٍ قريبينَ لرُوحي. 
أفتحُ بابَ غرفةِ النومِ، وأمشي كالسكرانِ إلى صالةِ البيتِ، الغارقةِ في الضوءِ الرماديِّ الشاحبِ. أعْبرُ من أمامِ المرآةِ الصغيرةِ، فأتوقفُ قليلًا، مترددًا، وأسألُ نفسي: هل أنظرُ إلى المرآةِ أم لا؟ أخطَفُ نظرةً سريعةً، وأرى وجهِيَ.. وجهِيَ الذي لا يستطيعُ إخفاءَ أيِّ شيءٍ. مرةً قالَ لِيْ صديقٌ؛ إنني أملكُ تعابيرَ وجهٍ واضحةً، مهما حاولتُ إخفاءَ ما أشعرُ به، إلا أنَّ وجهي ينطقُ بكلِّ شيءٍ. 
عندما كنتُ طفلًا، كان هناك حُلْمٌ يراودُني باستمرارٍ. كنتُ أقفُ في الصباحِ الباكرِ، أمامَ بابِ عِمارتِنا القديمةِ في دمشقَ، أنظرُ باتجاهِ الشارعِ الرئيسيِّ، وألمحُ من بعيدٍ حصانًا أسودَ يركضُ نحوي مسرعًا، وعندما يصلُ إليَّ، يجثو على أقدامِهِ الأربعةِ، أنظرُ إلى عينيه، فأجدُ أنه يبكي، أمسحُ دمعَهُ بكلتا يديَّ، وأضمُّ وجهَهُ إلى صدري. 
مؤخرًا، في مساءِ يومٍ ما، كنتُ متعبًا جدًّا، فغفوتُ، وحَلُمْتُ أني أغرقُ في قاعِ البحر، تأملتُ وأنا في حالةِ الغرقِ، كيف يتحولُ الضوءُ الأزرقُ، إلى ظلمةٍ حالكةٍ. عندما ارتطمَ ظهري بقاعِ البحرِ، أحسستُ بالموتِ قريبًا، فتحتُ عينيَّ -وأنا ما زلتُ أحلمُ- فوجدتُ نفسي أركضُ مسرعًا باتجاهِ بيتِنا في دمشقَ، كان هناك طفلٌ ينتظرني، أمامَ عمارتِنا القديمةِ، عندما وصلتُ إليه.. عندما وصلتُ إليهِ انهارَتْ ركبتايَ على الأرضِ، نظرَ إلى عينيَّ نظرةَ العارفِ بكلِّ شيءٍ، فبكيتُ، بكيتُ بشدةٍ، رفعَ يديهِ الصغيرتينِ نحوَ وجهي، ومسحَ دمعي المنهمرَ، وأخذَنِي في حِضْنِهِ.

حلم - سامر مختار

عزيزي علاء..

لو أنَّ رياضْ بينَنَا، 
لانتظرْتُهُ عندَ بابِ السجنِ
حاملةً غيْمةً
لتُبلِّلَ القلبَ المعطوبَ.

إلى علاء عبد الفتاح - ريم جمال الدين

نص وصوت أحمد قطليش
موسيقى شوبان
لدي ما يكفي من الاسباب للانتحار..
وعلى كتفي ما يكفي من آثار يدك الناعمة كي لا أفعل ذلك.
أنا رجل سيء بطبيعة هذا البلاد يا عزيزتي
لا يوجعني السؤال عن حالي، إلا عندما أوقف جسدي عن العمل اللامنتهي...
حينها فقط أدرك أني لست بخير...
أشرب بمافيه الكفاية حتى أنام.. وأعود لحركتي الصدئة
لدي من الأسباب ما يكفي لحبك
لكن روحي -المنخل- لا تستطيع أن تتكور عليك وبها كل رائحة البارود هذه...
لا تستطيع


عن الانتحار_أحمد قطليش

أداء: أميمة دﻻل
مونتاج: Khattab MW

رسالة الانتحار - فرجينيا وولف ~

هناك جمال وفتنة حقيقيان لطرق تصوير الدماغ، خصوصا صور الرنين المغناطيسي ذات الوضوح الكبير والصور الطبقية بقذف البوزيترون الملونة المذهلة، في صور البوزيترون على سبيل المثال؛ الدماغ المكتئب سوف يظهر على هيئة هامدة، تدل على عدم نشاط المخ : أزرق داكن، أرجواني غامق، واخضر قاتم. ولكن نفس الدماغ عندما يكون في حالة هوس خفيف، يضيئ مثل شجرة الكريسماس، بمساحات زاهية من الألوان الساطعة، أحمر، أصفر، و برتقالي.

يعتقد الاخرون أنهم يعرفون معنى أن تكون مكتئبا لأنهم مروا بمحنة الطلاق أو فقدوا عملهم أو انتهت علاقتهم مع شخص حميم، لكن هذه التجارب تحمل معها مشاعر، الاكتئاب في المقابل هو قاتم وأجوف ولا يطاق كما أنه منهك بشدة، الناس لا يطيقون أن يكونوا حولك عندما تكون مكتئبا، قد يعتقدون أنه واجب عليهم وقد يحاولون أيضا .. ولكنك تعرف وهم يعرفون أيضا أنك مضجر بدرجة لا يمكن تصورها، أنت سريع الانفعال ومتجهم وفاقد للحيوية وانتقادي وكثير المطالب ولا يمكن طمأنتك مطلقا، أنت خائف وأنت تخيف، وأنت لست نفسك أبدا ولكنك ستكون كذلك سريعا، و لكنك تعلم أنك لن تكون. !

كي ريدفيلد جامسيون؛ إخصّائية في ذهان الهوس الإكتئابي، مريضة بذهان الهوس الإكتئابي.

كي ريدفيلد جامسيون - عقل غير هادئ

قصائد : مرثية الى سينما السنديباد
حلم الفراشة 
سقط الرجل 

موسيقى : هشام نزيه - أبراهيم الأبيض

MIX- سركون بولص - هشام نزيه

- صوت أحمد قطليش -
كريستيان مورغنشتيرن - أنا شارع جديد
الموسيقا: شوبان 06 Estudos Opus 10 - 6 - Mi b menor
أنا شارعٌ جديد، لم تشيّد على جانبيه البيوت بعد
يا للرعب!
أنا شارع جديد وشكلي فكاهيٌ جداً
القمر يطل من بين الغيوم
أقول: رويدك فحسب
القمر يطل من بين الغيوم
البيوت سوف تأتي لتتبعك

إنني أدعى منذ البارحة
شارع فريدريسكون الجديد
وإلى يساري ويميني يمتد أخواني الشوارع
حاملين جميعاً أسماءهم أيضاً

السادة المضاربون
وضعوا ثقتهم جميعاً فيّ:
يا للشرف! لن يمر وقت طويلٌ إلا وأكون قد بنيت

القمر يذهب إلى السماء
ويغلق وراءه الباب
القمر يذهب إلى السماء
وأنا ليس لي ما يمكن أن أفعله

كريستيان مورغنشتيرن - أنا شارع جديد Christian Morgenstern

طوبى للجالسين
طوبى للرجلِ المجهولِ وزوجتِه
أخي في الإنسانيةِ بأكمامٍ وعنق وعينين
من ينتعل حذاءً ممزقًا في المطر
من يسهر على جثةِ الرغيفِ بشمعتين
من تنحشر إصبعه في الباب
من ليس له أعيادُ ميلاد
من فقد ظلهُ في حريق
الذي يبدو كإنسان، الإنسان الفقير الغني
الإنسانُ الغارقُ في البؤس، أفقرُ فقراءِ الأرض

طوبى لمن يجوعُ أو يظمأ، لكن ليس لديه جوعٌ يطفئ به ظمأَه
ولا ظمأ يُشبِعُ به جوعَه

طوبى لمن يعمل على مدارِ اليوم، على مدارِ الشهر، على مدار الساعة
من يتعرق خجلًا أو ألمًا
من يسدد ديونَه بما لا يملك
من ينامُ على ظهره
من لم يعد يتذكر طفولتَه

طوبى للرجلِ الأصلع بلا قبعة
الرجلُ العادل بلا أشواك
اللصُ بلا ورود
من يرتدي ساعةَ يد ورأى الرب
من لديه كرامة ولا يعرف الموت

طوبى للطفلِ الذي يسقط ويواصل البُكاء
للرجلِ الذي سقط، ولم يعد يبكي

كثيرٌ جدًا من الرحمة! قليلٌ جدًا من الرحمة! الرحمةُ لهم جميعًا

(التعثر بين نجمتين - سيزار باييخو) ترجمة سامح سمير

نص وصوت أحمد قطليش
تنامين؛ فأنتعل حذاءً ثقيلًا وأستلقي بمحاذاتك فلا أعدو مع الأفكار التي دائمًا ما تأخذني بعيدًا عنك. أستيقظ قبلك بقدمين متورمتين، تمسحين عرقي بشعرِك إذ تزحزحينني إلى مكانك في السرير وتغادرين إلى المطبخ.
بأيدٍ خفيفة يحمل ضوء الظهيرة صراعاتنا ويضعها في أكياسٍ نكدسها أسفل السرير وننسى استخدامها.
يحب أحدنا الآخر.
أغرق في مكانك من السرير الذي لم يتسع مرة واحدة لكلينا، وتغرقين في قميصي الذي ترتدين بعد أن تمزقت قمصانٌ كثيرةٌ كنت تحاولين أن تصعدي صدري ليلبسنا سويًأ.
يحب أحدنا الآخر،  أحبك على حدة، تحبينني على حدة.
لكننا نركض سويًا كل يوم.
كل يومٍ تسبقينني، بأقدامٍ متورمة أتبعك.

حذاءٌ للنوم - أحمد قطليش / Ahmad Katlesh

في الليالي الطويلة، حينَ يرقدُ الناسُ والعصافيرُ،
ويصبحُ رأسي بحجمِ غرفتينِ كبيرتينِ، مفتوحتينِ على شارعٍ عموميٍّ
أقولُ بعَشَمِ صديقينِ قديمينِ: "يا قلبي، يا قطعةَ الفحمِ النابضةَ، لا تقفْ شاهدًا ضدي"

في الصباحات، قبلَ أنْ تصحوَ الغرانيقُ بجناحَينِ بيضاوَيْنِ وشهيةٍ مفتوحةٍ، أقولُ: " يا قلبي، يا بقايا الرُّزِّ في طبقٍ أبيضَ، أيها الدودةُ الكبيرةُ التي تحفِرُ صدري، لا تقفْ شاهدًا ضدي"

حين أمرُّ في الشارعِ الهادئِ خلفَ كنيسةِ سانتْ جوزيف، خائفًا من المنعطفِ القادمِ، مكررًا آلافَ الخطواتِ القديمةِ، والوجوهَ التي رافقتني وحفِظْتُها جيدًا، شبحيّةً تمرُّ أمامي، أقولُ: "يا قلبي، يا تاجَ الشَوكِ المُورِقَ، أيها الصليبُ المعلقُ بينَ أجنحةِ الحمامِ، لا تقفْ شاهدًا ضدي"

عندَ كلِّ صلاةٍ وخلفَ كلِّ خطيئةٍ، في العَتَمَةِ وفي النورِ، في حِضنِ حبيبتي أو ساحةِ المعركةِ، أقولُ: "يا قلبي، أيها اللحمُ السميكُ الدافئُ، أيها الغِشاءُ الرقيقُ، أيها الماءُ الباردُ و الجمرةُ المُتَّقدةُ، آهٍ.. لا تقفْ شاهدًا ضدي، ليسَ الآنَ، ليسَ أبدًا، ليسَ أنتَ"

ليسَ أنت - أحمد سلامة الرشيدي

كلُّ هذا الخرابِ يأتي من الداخلِ
الحياةُ ليست صحراءَ من الرمالِ المتحركةِ، أنا احترفتُ السقوطَ في القاعِ
لستُ أفضلَ من أحدٍ، أحببتُ كثيرًا و في النهايةِ مثلُ الجميعِ أتقنتُ القسوةَ
رَغْمَ كلِّ هذا الرُّكامِ والفشلِ لن أغيرَ اتجاهيَ أبدًا،
القبحُ ليسَ أسوأَ ما بالحياة، الجمالُ الخائنُ أكثرُ شرًّا و إيلامًا
كلُّ صفعةٍ أتلقاها صاغرةً، تعلمُني مقدارًا جديدًا للسُمِّ بقهوةِ أحدِهِم
الوَحدةُ ليست أسوأَ عاداتي، محاولاتُ الهروبِ منها هي ما يدفعني للهُوةِ عادةً
ثرثرةٌ كثيرةٌ ترتكبُها رُوحي، الحماقةُ هي ما يبقى معي دومًا.. للأسف.
كَوني لا أحدَ ليس سيئًا جدًّا، الفراغُ بداخلي هو الكارثةُ الحقيقيةُ
من الطبيعيِّ أن يهرُبَ الحبُّ مني دائمًا، من الصعبِ أن يحبَّ أحدٌ إطارًا فارغًا
لا أريدُ شيئًا من العالم، غيرَ أنَّ فوَّهةً في روحي إن لم يضعْ أحدُهم بها وردةً ستصيرُ بندقيةً
انكسرْتُ كثيرا، هذه المرونةُ التي تلحظونها.. كراهيةٌ تتعلمُ أن تصيرَ أفعى
الآن كلُّ شيءٍ يحرضُ فيَّ البكاءَ
الشيخوخةُ هي عدمُ القدرةِ على ادعاءِ المحبةِ..
لا أصدقاءَ لي، كيف يعرفني أحدٌ إن كنتُ لا أعرفُ أصلًا من أنا
لأنَّ أحدًا لم يحبني أبدا، أكرهُكُم كلَّكُم بالتساوي
رَغمَ كلِّ هذا الغضبِ لستُ شريرةً أبدًا، أنا فقط حزينةٌ.

*الموسيقى: love in hate لتامر كروان

(التعثر بين نجمتين - سيزار باييخو) ترجمة سامح سمير

Reem Gamal Aldeen